-

التربية : ماذا يعني مفهوم التربية ؟ وما أهميتها

(اخر تعديل 2024-09-09 08:09:33 )
بواسطة

العلاقة والرابطة التي تتكون في حياة الطفل منذ اليوم الأول لولادته تعتبر أساسية لنموه، إذ تعتمد جميع مراحل نمو الطفل على علاقته بشخص واحد على الأقل يتولاه ويثق به. إن مدى الترابط في علاقة الطفل مع هذا الشخص له أهميته في تحقيق التربية، سواء كانت تربية لطفل حديث الولادة أو في مرحلة الطفولة. تتحقق هذه الأهمية من خلال ثمان نقاط ضرورية يحتاج إليها الطفل منذ البداية ليصبح قويا، ليحصل الطفل من خلال هذه المقومات الأساسية على العوامل الرئيسية التي تمكنه من مواجهة المصاعب التي تصادفه خلال مراحل نموه لا سيما في السنوات الأولى من عمره.

نؤمن في حاكيني بأن التربية ومرحلة الطفولة من الركائز الأساسية، التي تبرز أهمية توافرها في بناء معالم شخصية إنسانية تتمتع بصحة نفسية سليمة. انطلاقا من ذلك، نطرح في هذا المقال التساؤلات التالية: ماذا يعني مفهوم التربية؟ ما هي أهمية التربية؟ ما هي مبادئ التربية؟

ماذا يعني مفهوم التربية؟

التربية هي العمليّة التي يسعى من خلالها الأهل لتوفير البيئة الآمنة التي تمكن طفلهم من التكيّف أو التفاعل مع المجتمع الذي يعيش فيه. تتضمن هذه العملية في طياتها مجموعة من السلوكيات والتأثيرات، التي تعزز مجموعة من الصفات والمهارات في شخصية الطفل. يقوم الأهل بهذه السلوكيات بشكل مخطط، مدروس، وهادف قادر على تكوين معرفة للطفل تدفعه لإدراك محيطه، التساؤل حوله، والقدرة على اتخاذ القرار.

تتعدد العوامل التي تشكل السلوكيات والتأثيرات التي تتضمنها عملية التربية، منها: القيم الأخلاقية المستمدة من القواعد الدينية، العادات الاجتماعية، الأنماط الفكرية للمحيط وجميعها تساهم في توجيه سلوك الأطفال داخل محيطهم. لا يتلقى الطفل هذه السلوكيات والأنماط الفكرية فقط من العائلة، التي تعتبر المحيط والمجتمع المصغر للطفل، إنما أيضا من محيطه الخارجي كالمدرسة والأصدقاء.

إذا كان الأهل حريصين على بناء مسار تربية سليم لطفلهم عليهم ألا يحصروا جل اهتمامهم على المحيط الداخلي، وتحييد المحيط الخارجي للطفل. بل عليهم أن يدركوا أهمية وتأثير هذا المحيط في تشكيل شخصية الطفل بما يتضمنه من عوامل ثقافية وأخلاقية.

ما هي أهمية التربية؟

1. تمكين الطفل من الاعتماد على نفسه ومن قدرته على اتخاذ القرارات.

يبدأ ذلك عندما نربي الطفل على أن الحياة لا تتضمن فقط الجانب الوردي منها، المتمثل بأهله الذين يوفرون له كل ما يحتاج. بل فيها أيضا جانبا مظلما يتضمن العديد من المصاعب، والتي لا يمكن تجاوزها إلا بالاعتماد على نفسه والإيمان بأنه يملك القدرة على اتخاذ القرار وتحمل مسؤوليته. لذلك من المهم العمل على تربية الطفل منذ نعومة أظافره على مواجهة مصاعب الحياة، والقدرة على التأقلم والتكيف مع الأحداث السلبية. بذلك يضمن الأهل بناء شخصية لطفلهم ذات مناعة نفسية مضادة للصدمات النفسية وأقل عرضة للقلق، التوتر، والاضطرابات النفسية بمختلف أنواعها.

2. تعزيز احترام الطفل لذاته ما يدفعه إلى احترام من حوله.

تقوم التربية الإيجابيّة على أسس تعزيز ثقة الطفل بنفسه، وبالتالي تعزيز احترامه لنفسه. وهذا ما يجعله يرى من الاحترام وسيلة مهمة للتواصل مع ذاته وكيفية مخاطبتها، ما ينعكس بدوره على كيفية تواصله ومخاطبته لمحيطه. الأطفال الذين يتم تربيتهم على أن الاحترام فضيلة أساسية يكونون أقدر على الدفاع عن أنفسهم، وتحمل مسؤولية قراراتهم حتى وإن كانت فاشلة.

الاحترام هو سلوك مكتسب ولا يمكن للطفل تعلمه إذا ما لقي أن والديه يعتبرون أن الحوار والتفاهم القائم على الاحترام، هو الوسيلة الطبيعية التي نخاطب بها من حولنا. لذا على الأهل أن يحرصوا على الحديث ما بينهم وبالأخص أمام الطفل بهدوء وباحترام، والحرص على الامتناع عن إهانة الطفل وتخويفه او تعنيفه جرّاء أخطائه. بل يجب الحذر ص على مناقشته بها من خلال خلق تواصل فعال معه.

3. العيش ضمن نمط حياة منظم وصحي.

حتى نتمكن كأهل من تنشئة طفل منتج وناجح، لابد لنا من تعليمه على ضرورة أن يعيش ضمن أسس حياة صحية تضمن تعزيز الصحة الجسدية، العقلية، والنفسية له. لذلك يقع على عاتق الأهل خلال تربية أبنائهم تعليم الأطفال قيمة الروتين، الانضباط، تناول الطعام الصحيّ، ممارسة التمارين الرياضية، والنوم بشكل منتظم. وإفهامه أن أهمية اتباع ذلك يساهم في تجنبهم الإصابة بالعديد من الاضطرابات الصحيّة في مراحل البلوغ والمراهقة.

4. خلق مجتمع منسجم ومتكافل.

على الأهل أن يدركوا بأن التربية هي عملية لا تقتصر نتائجها عليهم كأهل، وإنما هي عملية جماعية وترتب آثارها على المجتمع ككل. لذلك يعد صلاح المجتمع من عدمه نتيجة حتمية لطبيعة التربية التي تلقتها الأجيال، بناء عليه تقود التربية السليمة لخلق مجتمع متماسك يجعل من الأخلاق ركيزة أساسية من ركائز التعامل.

وهذا يقود بدوره إلى خلق أفراد واعين لحقوقهم وواجباتهم تجاه مجتمعهم، يؤمنون بأن عليهم مسؤولية مجتمعية تحتم عليهم أن يحترموا ويتقبلوا بعضهم البعض. لخلق مجتمع منسجم وأكثر اندماجا.

ما هي مبادئ التربية؟

1. الاتصال والاقتراب الجسماني.

يشعر الجنين وهو في بطن أمه بالوسط المحيط به، حيث أنه يستمع صوت والدين ويبدأ منذ هذه اللحظة بالاتصال بهم، وبذلك يشعر بعد ولادته بأنه ليس وحده أو مهمل.

الطفل الرضيع يشارك العالم من خلال بكاءه، وما يرافقه من حركة وتعبيرات في وجهه تعبر عن حالته. عند بكاءه يندفع إليه والديه بسرعة ما يشعره بأنه ليس وحيدا وبأن لديه مصدر أمان، وهذا الأمان يعطيه الثقة. وعندما ينظر الطفل إلى وجه والديه يضمن الاتصال بالشخص الذي يعتني به، وبما أن الاتصال بالطفل خلال فترة الحمل ضروري فلابد من الاستمرار بالاتصال به من خلال مخاطبته وقص الحكايات والغناء والضحك.

2. الاحساس بالأمان والثقة.

لكي ينمو الطفل بصورة سليمة يحتاج للشعور بالثقة والأمان، فعندما يكون الرضيع بين ذراعي أمه أو الشخص الذي يثق به ويتولى رعايته يشعر بالاطمئنان والأمان.

عندما يبكي الطفل أو يصرخ فهذا دليل على حاجته العاجلة الى الشخص الذي يعطيه الأمان، الاطمئنان، والثقة. وعدم الاهتمام لبكائه يدل على عدم العناية به وهو يؤثر سلبا على نموه. إذ في الأشهر الأولى من عمر الطفل يحدث تطور في انفعالاته، وهذا يحدث من خلال تعرفه على الشخص الذي يرعاه (الام او الاب). فالشخص الذي يتولى رعاية الطفل يجب أن يكون متفرغ له دائما ويعطيه الثقة والاحساس بالأمان، ومنحه الإحساس بالعطف والرقة. بعض الأطفال الرضع من الصعب جدا تهدئتهم لذا فهم يحتاجون إلى نصيب أكبر من الأمان والثقة.

3. العناية ولغة الحوار.

الطفل يحب وجه الشخص الذي يعتني به ويحب أن يقلد تعبيرات الوجه والأصوات الصادرة منه، وهذا الشيء يجلب للطفل الاشتياق والسعادة بشكل واضح. فالطفل يحب أن تكون أمه أو أبوه متفرغان له تماما، يهتمون بتدبير جميع شؤونه مثل تغير ملابسه وإعداد طعامه.

إن الحديث مع الطفل يعتبر الحجر الأساسي لتنمية الكلام عنده، ويجب على الأبوين نطق الكلمات بصورة صحيحة للطفل؛ حتى يستطيع الطفل الكلام بطريقة سليمة. ويجب أن نحاور الطفل لفترات طويلة وغير متقطعة أي بانتظام لكي يكتسب الطفل الخبرة والقدرة على الكلام والشعور بالاهتمام.

4. التصاق متين ومأمون.

في السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل يكون الطفل على علاقة بالشخص الذي يعيش معه، لذا يجب أن تكون علاقة الأب والأم والمحيطون بالطفل متينة ومأمونة. وبناء عليه، يكون إحساس الطفل بهم كبير بشكل ملحوظ. اذا كان الشخص الذي يعتني بالطفل مربية او حضانة، فإن وجود الأم أو الأب ضروري إلى أن يشعر الطفل بالأمان والثقة باتجاه من رعاه.

5. تقبل شخصية الطفل وطبيعته.

إن تقبل شخصية وطبيعة وذات الطفل أمر مهم جدا، ويجب عدم معاملته كأنه جماد. وكذلك يجب عدم مقارنته بالآخرين إيجابيا أو سلبيا؛ لأن هذه المقارنة تقلل من ثقة الطفل بنفسه. يجب إعطاء الطفل الوقت لتطوير نفسه بمفرده، وأيضا يجب أن يكون هناك تشجيع من قبل الأبوين لتصرفات الطفل ودعمه؛ لتقوية مواهبه ليشعر بأنه محبوب ومرغوب من الجميع. على الطفل أن يشعر ويدرك الأشياء التي تزعج وتغضب اسرته وأنهم لا يغضبون منه لشخصه، وإنما من تصرفاته.

6. الثقة في قدرة الطفل.

يكسب الطفل الثقة من خلال افعاله الذاتية, عند مشاركته في العناية بنفسه, وقدرته على اختيار الاكل بنفسه, عند اكتشافه اشياء جديدة وعند معرفته كيف يقضي وقته. كل هذه الخبرات تعمل على تقوية ثقة الطفل بنفسه. ان كثرة الاستفسارات والاسئلة المستمرة, والبحث والتقليد يكونون شخصية الطفل وتبدا مرحلة تعليمه.

7. وسط يشجع الطفل على النمو.

يكون الطفل في بداية حياته الأولى محتاجا إلى توفير الأمان والحماية الخارجية، التي تأتي من تعبيرات الحواس والمؤثرات الخارجية. ولكي يتمكن الطفل من تنمية البحث عنده نجده محتاج إلى وسط ملائم متطور يضم الحواس الخمسة، التي تتيح له فرصة التنبيه والحركة.

بغض النظر عن الوسط الذي يولد فيه الطفل، يوجد دائما وسائل مادية تؤثر على حب الطفل للاستطلاع، وحسب رغبته يختارها ويحاول تجربتها. فالأشياء التي يعثر عليها الطفل في البيت ليلعب بها تثير اعجابه وتزرع فيه روح الإبداع. وعندما يخاطب الأبوين الطفل ويضحكون، يلعبون، يرقصون معه، ويغنون له فهم بذلك يشجعون نموه. وكذلك يجب على الوالدين التواجد مع الطفل والوقوف إلى جانبه عند اكتشافه أشياء وأشخاصا جديدون.

8. التنظيم.

يتولى الأبوين تنظيم حياة الطفل فهما يتوليان الحديث معه وتأمين احتياجاته اليومية من عناية وتغذية، وكل هذه الأشياء تترك في مخ الرضيع والطفل الصغير اثارا لا تمحى من ذاكرته. إن العناية بأمور الطفل الأساسية كتغير الحفاضات، الاستحمام، تغير الملابس تعمل على تهدئة الطفل وتمنحه السعادة والأمان، وكذلك القصص الليلية تعطي الطفل قسطا كبيرا من الثقة والأمان.

إن رعاية الأطفال الرضع والأطفال الصغار واجب ومهمة مملؤة بالسعادة، لذا ينبغي على الأبوين تهيئة أنفسهم لهذه المهمة ومواجه صعوباتها. فهم معرضون دائما لنوم متقطع وبكاء الطفل المستمر، لذا يجب عليهم فهم الوسط المحيط بهم والاستعانة بمن يساعدهم في هذه المهمة إن وجد.

سجل في موقع حاكيني للخدمات والاستشارات النفسية وحمل تطبيق الصحة النفسية للحصول على ارشادات وتمارين للمساعدة الذاتية او التحدث مع شخص مختص.


رحلة لاكشمي 4 الحلقة 2