-

آثار التكافل والتعاون

(اخر تعديل 2024-09-09 08:09:33 )
بواسطة

يُعرف التكافل أو التعاون الاجتماعي بأنّه العملية التي تُساهم في تحقيق الأهداف التي لا يُمكن للأشخاص تحقيقها بمفردهم، وذلك من خلال عمل أفراد المجتمع معًا، وتبادل الخبرات والموارد والمسؤوليات فيما بينهم، لتحقيق هدف معين، مما يؤدي إلى إتاحة الخدمات والفرص، وتوفير الدعم اللازم لتنمية المجتمع وأفراده، ولا سيما الفئة الشابة.


يجدر بالذكر أنّ التكافل الاجتماعي والتعاون ليس بالعملية السهلة، ويُحدد مدى نجاح هذه العملية وفقًا لـ 3 معايير، وهي: الوقت المُستغرق لتحقيق الهدف، والعدالة في المساهمة في تحقيق الهدف والاستفادة منه، والثقة بين الأفراد، وللتكافل الاجتماعي العديد من الآثار على المجتمع والفرد التي يُمكن إيجازها فيما يأتي:


تحسين الصحة النفسية لأفراد المجتمع

تؤدي معظم المواقف التي يمر بها الفرد إلى إرهاقه أحيانًا، ولا سيما التنافسي منها، وقد يتسبب احتمال الفشل في تحقيق هدف ما إلى إصابة الشخص بالقلق، مما يؤدي إلى إالحاق الضرر بالصحة النفسيّة.


علاوةً على الشعور بالخوف، أو الغضب الناتج عن النبذ أو الخسارة والذي قد يؤدي إلى الإحراج أو التوتر أو العدوانية، ومن شأن جميع ذلك أن يُفاقم المشاكل النفسيّة التي قد يُعاني الشخص منها.


تتسم الأنشطة التكافليّة والتعاونيّة التي يقوم بها أفراد المجتمع معًا، بأنها خالية من التهديدات، وغير مُعرّضة للأحكام، فلا يتحمّل الفرد مسؤولية هذه الأنشطة وحده، ومن شأن ذلك أن يخلق جوًا من الرخاء والرفاهيّة، وهذا ما يجعل التكافل بعمل ما أمرًا ممتعًا ومرحًا، الأمر الذي يؤدي إلى تحسين الصحة النفسية للأفراد والمجتمع كذلك.


زيادة التواصل بين أفراد المجتمع وتكوين علاقات جديدة بينهم

عندما يتعاون أفراد المجتمع فيما بينهم على تحقيق أمر ما، فإنّهم يتبادلون المعلومات والخدمات التي بإمكانهم تقديمها، ومن شأن ذلك زيادة التواصل والترابط بين أفراد المجتمع.


وعلاوة على ذلك، قد يتشارك الأشخاص في تقديم مختلف الموارد للوصول إلى هدف مُعيّن، وتشتمل الموارد على العمالة، والمعدات، والأماكن، والمساهمات الماليّة، وغيرها.


ويكون التواصل بين الأفراد أساس نجاح التعاون، أي لا يتعيّن على الفرد أن يكون ُملمًا في جميع الأمور، إذ تُوزّع المهام على الأفراد كل حسب قدرته، الأمر الذي يُؤدي إلى زيادة التواصل بين الأشخاص، وتكوين علاقات جيّدة.


رفع إنتاجية المجتمع وزيادة الكفاءة

يجمع التكافل بين الأفراد، ومشاريعهم، وعمليات تحقيقها في مكان واحد من أجل تعزيز إنتاجية الفريق وزيادة الكفاءة، وتقديم نظام بيئي متكامل، إذ يوفر هذا النظام جميع ما يحتاجه أفراد المجتمع للتواصل والعمل معًا، وتُنفّذ بعض المجتمعات تقنيات التكافل والتعاون المتنوعة فيما بينها من أجل تعزيز أفرادها وتمكينهم.


ويؤدي ذلك إلى تحسين إنتاجية المجتمع وكفاءته، سواء في الشركات أو المنظمات وغيرها، وذلك من خلال تسهيل عملية المشاركة، والوصول إلى المعلومات المتعلقة بأمر ما، إضافةً إلى التمكّن من العثور على أصحاب الخبرة والاختصاص عند الحاجة.


زيادة فرص العمل

للتكافل الاجتماعي دور في ابتكار فرص عمل جديدة في مجالات الوظائف والخدمات المجتمعية، ومن المتوقع أن تزيد نسبة هذه الوظائف بنحو 12% على مدى العشرة أعوام المقبلة.


ومن فرص العمل التي قد تنمو بفعل التكافل المجتمعي؛ الوظائف الخاصة بالاستشاريين والأخصائيين الاجتماعيين، بالإضافة إلى الإرشاد المدرسي والوظيفي، وغيرها من الوظائف الاجتماعية التي تخدم المجتمع وتُعزز من ترابطه.


رفع مستوى المعرفة والتبادل الثقافي

يرتبط التعاون ارتباطًا وثيقًا بزيادة التعلّم والمعرفة، علاوة على النضج العاطفي، وتطوير الشخصية القوية، فغالبًا ما يكون أعضاء المجتمع المتعاون أكثر مرونة في تفكيرهم، وأكثر استعدادًا لابتكار حلول إبداعيّة، ويتبادلون الآراء والثقافات فيما بينهم، مما يؤدي إلى رفع مستوى المعرفة.


رفع مستوى الثقة بين الأفراد

تسفر المنافسة بين الأفراد في معظم الأحيان، سواء في العمل، أو اللعب إلى حدوث خلافات بينهم، وزيادة خوفهم من الفشل، ما يُقلل من شعورهم بالأمان الذي يحتاجون له في بيئات عملهم وحياتهم.


وهنا يأتي دور التكافل الاجتماعي الذي يتطلّب من أفراد المجتمع أن يكونوا منفتحين وصادقين مع بعضهم البعض، فضلًا عن نشوء الثقة فيما بينهم، وذلك لأنّ الأفراد يُقدّمون التشجيع، ويدعمون بعضهم البعض في سبيل تحقيق أهدافهم المشتركة.


تُوجد العديد من الأمثلة على المجالات التي تُحقق التكافل الاجتماعي، ومنها ما يأتي:


نظام التربية والتعليم

يتعاون في نظام التربية والتعليم كل من الأسرة والمؤسسات التعليمية من أجل تنشئة الأطفال، فتتولّى الأسرة مسؤوليّة التنمية الاجتماعية الأولية، وذلك من خلال تمرير قيم ومعايير معينة.


بينما تتولّى المؤسسة التعليميّة تمرير قيم ومعايير ينخرط بها الطفل في مجتمع أوسع، وبمرور الوقت تتولّى المؤسسات الإعلاميّة والدينيّة مسؤولية تمرير القيم العالميّة والتي تربط الشخص بالعالم.


التعاون بين المجتمع الزراعي والصناعي

يتحقق التكافل الاجتماعي أيضًا من خلال التعاون بين المجتمع الزراعي والصناعي، فعلى سبيل المثال، ينتج المزارعون الطعام الذي يتناوله عمال المصانع، الذين ينتجون بدورهم الآليات والجرارات التي يستخدمها المزارعون في حرث أراضيهم، وإنتاج الطعام.


التعاون بين المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية

يتجسّد التكافل الاجتماعي بين المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية بالدور الذي تؤديه المؤسسات الاجتماعية كمصدر هام للعمالة، وما تقوم به المؤسسات الاقتصادية بدورها في تعزيز سبل العيش، واستحداث فرص عمل لمكافحة البطالة.


ويُساهم هذا التعاون في الحدّ من الفقر في المجتمع، وذلك من خلال التعاون بين مختلف المؤسسات الاجتماعية، والاقتصادية، ودفع أجور تنافسيّة، وتعزيز الدخل الإضافي من تشارك الأرباح وتوزيعها، علاوة على دعم المرافق المجتمعية؛ كالعيادات الصحية والمدارس.


برزت الحاجة إلى التباعد الاجتماعي في ظل انتشار وباء كورونا، وهنا تجسّد دور التكافل الاجتماعي الذي يتمثّل بتماسك أفراد المجتمع، وضمان النظام الاجتماعي واستقراره، فمنذ بداية الأزمة، أكدّت الأمم المتحدة مرارًا وتكرارًا على أهمية التضامن والتعاون العالمي في التعامل مع هذا الوباء، ولا سيما التعاون بين المؤسسات المجتمعية والصحيّة.


تعيّن ما سبق إجبار الأشخاص على اتّباع أساليب التباعد الاجتماعي، والانغلاق، بهدف احتواء المرض المُنتشر لحين تواصل المؤسسات البحثيّة والصحيّة المختلفة إلى حلول، إضافةً لإنتاج اللقاحات اللازمة للسيطرة على المرض.


وضعت الحكومات ومؤسسات الصحة العامة في جميع أنحاء العالم إرشادات للتباعد الاجتماعي، وتزامنًا مع انخفاض فرص قضاء الوقت وجهًا لوجه، برز دور التكافل بين المجتمعات ومؤسسات التكنولوجيا الرقميّة الفعالة في توفير الوسائل والسبل التي أتاحت للأشخاص الالتقاء ببعضهم البعض افتراضيًا عبر مختلف التطبيقات، عوضًا عن التقارب الجسدي، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي في نشر الوعي حول المرض.


وتُوجد العديد من أمثلة التكافل الاجتماعي التي برزت في مختلف دول العالم، ومنها:

  • إنشاء العديد من المنظمات التطوعيّة غير الربحية التي جنّدت أشخاصًا للتطوع في مختلف المجالات، كمساعدة الكوادر الصحية في عملها.
  • عمل المتطوعين على توزيع الطعام، وإيصاله إلى المنازل، والتسوق نيابة عن الأشخاص.
  • تقديم العديد من المعالجين خدماتهم عبر شبكة الإنترنت مجانًا.


ختامًا، يتضمن التكافل الاجتماعي قبول الطبيعة الاجتماعيّة، وخلق بيئة تُشجّع فيها الخدمة المتبادلة، واحترام حقوق الإنسان ورعايتها، وللتكافل والتعاون المجتمعي دور هام على الصعيدين المحلي والعالمي، فأصبحت المشاركة المجتمعية محورية لتحقيق ديمقراطيات عصرنا الحالي، فالعلاقات البنّاءة بين أفراد المجتمع ومؤسساته لا تجعل التكافل الاجتماعي مرغوبًا فحسب، بل ضروريًا في استدامة تلك المجتمعات .