-

كيف تتحقق الصحة النفسية وما العوامل المؤثرة

(اخر تعديل 2024-09-09 08:09:33 )
بواسطة

تعد الصحة النفسية إحدى الحاجات المهمة للشخصية الإنسانية التي تمتد جذورها إلى مرحلة الطفولة، وتعد الأم المصدر الأول لتعزيز الصحة النفسية لطفلها باعتبارها مقدم الرعاية المباشر له. صحيح أن لخبرات الطفولة دورا مهما في تعزيز الصحة النفسية، ولكن لابد من الإشارة إلى أن الصحة النفسية لأي منا تكون مهددة في أي مرحلة من مراحل العمر، إذا ما تعرض الفرد لضغوط نفسية أو اجتماعية لا طاقة له بها، الأمر الذي قد يؤدي إلى الإصابة بالاضطراب النفسي. لذلك تعتبر الصحة النفسية احتياج ذو مرتبة عليا للإنسان التي يجب أن تتوفر بعد تحقيق حاجاته الدنيا.

ما مفهوم الصحة النفسية؟

يتمثل المفهوم العام للصحة النفسية التمتع بمستوى جيد من الصحة النفسية والعقلية، التي تجعل الفرد يكتسب مهارات عاطفية وسلوكية عالية تمكنه من مواجهة ظروف الحياة، تحقيق ما يصبو له، بالإضافة للتعلم والعمل بشكل مستمر، وهذا ما ينعكس بدوره على تحقيق التنمية المجتمعية. لذلك تعتبر الصحة النفسية جزء لا يتجزأ من المساهمة في تنمية القدرات الفردية والمجتمعية، لبناء مجتمع متماسك قادر على اتخاذ قرار جمعي في سبيل تحقيق التنمية المجتمعية والاقتصادية.

تعد الصحة النفسية من حقوق الإنسان الأساسية، وتعني بمجملها أن يعيش الإنسان في مستوى من الرفاهية النفسية أو صحة نفسية تجعله لا يعاني بالدرجة الأولى من أية اضطرابات نفسية. لكن هذا لا يعني أن الصحة النفسية تقتصر على عدم الإصابة باضطرابات نفسية، إنما هي تتحقق بدرجات متفاوتة من شخص لآخر تبعا للبيئة المتواجد فيها.

تنبع أهمية تعزيز مفهوم الصحة النفسية في المجتمع في رفع مستوى الوعي حول أهمية تحقيق الصحة النفسية لدى أفراده، وإظهار كيفية التعامل مع الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية باعتبارهم أشخاص من الممكن أن يكون لديهم سلوكيات صعبة، ولكنهم قادرين على الاندماج بالمجتمع كأي إنسان يعاني من مشاكل طبية جسدية. يتحقق ذلك بواسطة العمل على توفير بيئة آمنة لهم قادرة على احتوائهم وعلاجهم، بعيدا عن الحكم عليهم أو وصمهم والتميز ضدهم، ما يسبب لهم المعاناة والانزواء.

كيف تتحقق الصحة النفسية؟

1. توفير خدمات نفسية مجانية.

يتم ذلك من خلال قيام الدولة بالعمل على تضمين برامج مخصصة للعلاج النفسي ضمن الرعاية الصحية العامة، ويتم ذلك عادةً في المستشفيات العامة ومن خلال تقاسم المهام مع مقدّمي خدمات الرعاية غير المتخصّصين في قطاع الرعاية الصحية الأولية.

2. التفكير بإيجابية.

لا تقحم نفسك بشكل دائم داخل دوامة المشاعر السلبية حتى وإن كنت تعيش ضمن ظروف سياسية، اقتصادية، اجتماعية صعبة. عليك أن تدرك بأنها مؤقتة وبأنك قادر على تجاوزها من خلال إعطاء نفسك مساحة من الهدوء، والابتعاد قدر الإمكان عن التفكير بشكل سلبي؛ حتى تتمكن من إيجاد حلول لكل المشاكل.

3. ممارسة التمارين الرياضية.

تعد التمارين الرياضية من الوسائل الفعالة لتعزيز الصحة النفسية والعقلية. إذ ممارسة أي نوع من أنواع التمارين الرياضية لمدة نصف ساعة كفيلة أن تعمل على تحسين حالتك النفسية، وتخفيف أعراض القلق والاكتئاب. ما ينعكس بدوره أيضا تحسين صحتك الجسدية ما يجعلك دائم النشاط والحيوية.

4. اتباع نظام غذائي صحي.

تلعب العديد من العناصر والمكملات الغذائية دورًا مهمًا في تعزيز الصحة النفسية، تشير الدراسات إلى ارتباط الإصابة باضطراباتٍ نفسيةٍ مثل الاكتئاب ونقص مستويات فيتامين D وB12 في الدم. لذلك من المهم أن يتم التركيز على تناول الأسماك الغنية بالحمض الدهني أوميغا 3، المكسرات بأنواعها، الخضار الورقية؛ كونها من الأطعمة المفيدة في تعزيز صحتك النفسية. بالإضافة إلى ذلك من المهم أن يحتوي نظامك الغذائي على قطعة شوكولا داكنة ما يساعد في تحفيز الدماغ وزيادة الشعور بالمتعة والسعادة؛ وبالتالي تعزيز صحتك النفسية.

5. ممارسة تمارين التأمل.

تعد تمارين التأمل من الوسائل الفعالية في تعزيز الصحة النفسية لدى الفرد، لما تتضمنه هذه التمارين من تحفيز على الاسترخاء، ضبط التنفس، والتركيز على الأمور أو الأفكار الإيجابية. تحقق تمارين التأمل نتائج أفضل عند ممارستها بشكل يومي، في مكان هادئ بعيدا عن الضجيج.

6. التواصل والتفاعل مع الآخرين.

من المهم أن يعيش الإنسان ضمن مجموعة من الأفراد يتفاعل معهم، الوحدة والانعزال لا يولد سوى الإحباط، سيطرة الأفكار السلبية، والنظر بشكل تشاؤمي تجاه كل شيء. كما أن التفاعل مع الآخرين لا يكون مهم بالنسبة لهم بقدر أهميته بالنسبة للشخص نفسه؛ كونه يمكنه من فهم احتياجاته.

7. القيام بأعمال تطوعية.

يعتبر العطاء من أكثر الأمور التي تعزز شعور الانتماء والرضا لدى المعطي. عندما تشعر أن لديك القدرة على تقديم المساعدة وتغيير حياة من حولك للأفضل، هذا من شأنه أن يقلل من المشاعر السلبية لديك، مثل: الإحباط والكره. وتعزيز المشاعر الإيجابية مثل: السعادة والتفاؤل.

8. التوجه للطبيب النفسي.

من المهم الخضوع لجلسات الإرشاد والعلاج النفسي عند الحاجة، ويجب التعاطي معها باعتبارها حق وأمر طبيعي يتم اللجوء إليه عند الشعور بالتعب، أو عدم القدرة على السيطرة على المشاعر السلبية لدينا، أو عند الشعور بأن حياتنا تسير بعكس مسارها الطبيعي.

ما هي العوامل المؤثرة في الصحة النفسية؟

1. العوامل الاجتماعية.

تعد البيئة التي ينشأ فيها الفرد من العوامل الرئيسية المؤثرة على الصحة النفسية للفرد، ونقصد هنا المفهوم الأولي للبيئة أي بمعنى البيئة التي ولد وتلقى فيها الإنسان تربيته. إذ أن تواجد الفرد ضمن بيئة أسرية تتبع التعنيف والمعاملة القاسية كنهج للتربية، هذا كفيل أن يشكل عدد كبير من الاضطرابات النفسية لأبنائها. صحيح أن بيئة الإنسان لا تقتصر على الأسرة إنما يوجد دوائر أوسع بكثير منها، ولكن يمكن القول أن الأسرة هي الركيزة الأساسية في تشكيل الصحة النفسية للإنسان.

كما ذكرنا آنفا، لا تقتصر العوامل المؤثرة في الصحة النفسية للإنسان اجتماعيا على الأسرة، بل يتواجد أيضا ضمن بيئات أخرى يتفاعل معها وتشكل بدورها عاملا مؤثرا في صحته النفسية. مثل: أن يتواجد في بيئة عمل ضاغطة، مجهدة، مثبطة إذ من شأن كل ذلك أن يسبب له الاحتراق النفسي. أو التواجد في بيئة تسودها ثقافة التمييز، التفرقة، والعدائية ما يدفع الإنسان إنا للعزلة أو أن يكون عنيفا. أو العيش ضمن ظروف اقتصادية صعبة كتعرض الإنسان للفقر أو ضمن وضع معيشي متدني. العيش ضمن هذا كله سيقود بالضرورة لتدني مستوى الصحة النفسية للمرء.

2. العوامل الوراثية.

تشير العديد من الدراسات أن الأمراض النفسية شأنها شأن الأمراض الجسدية تنتقل بالوراثة. بمعنى، من الممكن أن تكون معظم الأمراض النفسية أمراض تنتقل بالوراثة أي لوجود تاريخ عائلي لهذا المرض. مثل ذلك، الأمراض الذهانية كالفصام والاكتئاب. صحيح أنه لم يتم الجزم بذلك ولكن هناك العديد من الأبحاث التي تشير إلى وجود جينات مسؤولة عن إحداث الاكتئاب، ووجود إصابة واحدة بالاكتئاب لأحد أفراد العائلة كفيل أن يضاعف من احتمالية الإصابة به لدى البقية.

3. العوامل الجسدية.

تشكل العوامل الجسدية كضعف البنية الجسدية والإصابة ببعض الأمراض الجسدية المزمنة، عاملا مشكلا لتهديد الصحة النفسية والإصابة بالاضطرابات النفسية. إذ أن الإصابة بمرض جسدي مزمن، مثل: السكري، الجلطة الدماغية أو القلبية، السرطان، والأمراض العصبية. ونتيجة الأعراض الصعبة التي يعاني منها المريض والتي تستدعي تلقيه أدوية بكميات كبيرة وبعيار ثقيل، هذا كفيل أن يرسب العديد من الآثار الجانبية النفسية للمريض. لذلك نجد أن المصابين بأمراض جسدية مزمنة هم أكثر عرضة من غيرهم للإصابة بالاكتئاب والقلق.

لا تقتصر العوامل الجسدية فقط على الإصابة بمرض جسدي مزمن، إنما هناك العديد من التغيرات الجسدية التي تطرأ على جسد الإنسان من شأنها أن تهدد الصحة النفسية لديه. مثل: وجود خلل في التوازن الكيميائي للدماغ مما يؤثر على عمل النواقل العصبية، هذا بدوره يؤدي للإصابة بالعديد من الأمراض الذهانية كالفصام. أو حدوث تغيرات بمستوى الهرمونات ما يؤثر بشكل أو بآخر على المشاعر، والحالة الشعورية والمزاجية. نشهد ذلك بشكل واضح عند الإناث أثناء مرحلة الدورة الشهرية، الحمل، مرحلة ما بعد الولادة، انقطاع الدورة الشهرية، في هذه المراحل تشهد النساء تغير ملحوظ وعدم توازن بمستوى الهرمونات ما يؤدي للإصابة بالاكتئاب، القلق، واكتئاب ما بعد الولادة وغيرها الكثير من الاضطرابات النفسية. ولابد من التنويه أن هذه التغيرات الهرمونية لا تقتصر على الإناث إنما أيضا يواجهها كلا الجنسين في مرحلة المراهقة أو عند البلوغ.

من المهم الإشارة إلى أن اتباع نمط حياة غير صحي أيضا يلعب دورا أساسيا في تشكيل الاضطرابات النفسية. مثل، قلة النشاط البدني، سوء التغذية، زيادة الوزن، تعاطي الكحول أو المخدرات، والاستهلاك المفرط للكافيين.

العلامات والأعراض المبكرة لمشاكل الصحة النفسية

لا يصاب الإنسان في ليلة وضحاها باضطراب نفسي، كون الإصابة به تتطلب المرور بمرحلة تحضيرية تشمل الإصابة ببعض الأعراض التي تمثل إشارات تحذيرية لوجود خلل ما. لذلك من الهم بمجرد أن نلحظ وجود أية تغيرات تطرأ على نمط حياتنا بما تشمله من الطريقة التي نفكر أو نتصرف أو نشعر بها، أو إدراك هذه التغيرات لدى الأشخاص القريبين منا. علينا ألا نتجاوز وجودها أو نتعامل معها باعتبارها أمر طبيعي، بل علينا التأكد من توفير المساعدة لأنفسنا ولمن حولنا عند ملاحظة أي تغيير؛ لأنه من الضروري أن نتأكد من أننا جميعاً نحصل على ما نحتاج من مساعدة ودعم لنكون أصحاء وسعداء.

الإصابة بالاضطراب النفسي يشمل بعض العلامات والأعراض المبكرة لمشاكل الصحة النفسية، منها:

  • الرغبة في العزلة وقضاء الوقت وحيدا.
  • الابتعاد عن الذهاب للمناسبات الاجتماعية.
  • شعور ملازم بالتعب والإرهاق.
  • صعوبة تحقيق الاسترخاء او التركيز.
  • سيطرة المشاعر السلبية، مثل: الحزن، اليأس، وعدم الرضا عن النفس.
  • اضطرابات في تناول الطعام.
  • اضطرابات في النوم.
  • سيطرة الأفكار الانتحارية وإيذاء النفس.
  • الشعور بالقلق، الخوف، العصبية، أو التوتر.
  • أعراض جسدية كالتعرق، الارتجاف، الدوار، وسرعة ضربات القلب.
  • هناك العديد من الطرق التي يمكن اتباعها للوقاية من الإصابة بالاضطرابات النفسية، وتحقيق صحة نفسية أفضل. إذا كنت تعاني من أعراض اضطراب نفسي عليك المباشرة في اتخاذ خطوات للتحكم بها، وتعزيز القدرة في الاستمرار بذلك. من هذه الخطوات التالي:

    1. إدراك الأعراض وكيفية التعامل معها:عليك أن تدرك طبيعة الأعراض التي تعاني منها، وما الذي قد يكون السبب في تحفيزها. لذا عليك وضَعْ خطة لتكون مستعدًّا لما يجب فعله إذا ما عادت الأعراض للظهور مرة أخرى. فكر في إشراك طبيبك النفسي، أفراد الأسرة، أو الأصدقاء لمراقبة هذه الأعراض.

    2. القيام باستمرار بالفحوصات الطبية الروتينية: لا تتجاهل الفحوصات الطبية بالأخص إذا لم تكن تشعر بأنك بصحة جيدة. قد تعاني من وجود مشكلة صحية جديدة يلزم علاجها.

    ​​​​​​​3. اطلب المُساعدة متى احتجت لها: يمكن أن تكون الاضطرابات النفسية أكثر صعوبة في العلاج إذا انتظرت إلى حين ازدياد الأعراض سوءًا. لذلك من المهم طلب المساعدة المداومة طويلة الأمد في العلاج كونها قد تساعد أيضًا على الوقاية من انتكاس الأعراض.

    ​​​​​​​4. اتباع نمط حياة صحي: النوم الكافي، النمط الغذائي الصحي، وممارسة التمارين الرياضية. حتى تحقق الخطوات السابقة نتائج أفضل حاوِلِ المحافظة على جدول منتظم عند ممارستها. عليك طلب المساعدة والرعاية الطبية إذا كنت تعاني من مشكلات في النوم، أو إذا كانت لديك استفسارات تتعلق بالوجبات والنشاط البدني.

    في الختام، نجد أن انعدام الصحة النفسية يشكل سببا رئيسيا لحدوث الاضطرابات النفسية، وقيام الفرد بسلوك عدواني تجاه مصادر إحباطه، وبذلك نجد أن حاجته لتحقيق صحته النفسية يدفعه لاتخاذ أنماط سلوكية غير سوية. بناء عليه، حتى يتمكن الإنسان من تحقيق صحته النفسية عليه أن يتذكر أن كل الظروف المؤلمة التي مر بها هي مجرد تجربة وانقضت ولن تتكرر، وهي فرصة لتقوية نفسه وتمكينها من تحقيق الأمان. كل ذلك عن طريق التخلص من الخوف والشعور بأنه لن يتقدم بحياته، هذا هو المفتاح الأكبر لتحقيق سلامه الداخلي وشعوره بالأمن النفسي.
    ثلاث اخوات 4 مدبلج الحلقة 253

    اقرأ أيضا : كيف تتحقق الصحة النفسية؟ (صحة نفسية)