تفسير حلم الشعور بالانزعاج والضيق في المنام
إن الانزعاج والضيق من الأمور التي لها حضور قوي في كثير من الرؤى والأحلام، كما أن كثيرًا من الرموز لها دلالات تدل على الانزعاج والضيق، ولهذه المشاعر داخل الرؤيا أثر كبير جدًا في توجيه دفة التأويل وتقوية بعض القرائن على بعض، وتقوية بعض معاني الرمز على بعضها الآخر، كما أن لها أثراً في تقوية وجعل بعض الرموز هي المركزية أكثر من غيرها.
لذا الأفضل دائما أن يذكر الرائي حالته التي كان عليها في الرؤيا، وكذلك الأفضل للرائي وللمعبر أن يذكر الرائي كيف كان شعوره حيال ما رأى في المنام داخل المنام، لما لذلك من أثر شديد في تبيين التعبير.
حيث إنّ الشعور بالانزعاج والضيق قد يدل على الضيق الحقيقي في الواقع، كما قد يدل على الفرج وانبساط النفس، كما قد يدل على البشرى وعلى الحمل والإنجاب، وقد يدل هذا الشعور على النوم الخاطئ أو طبيعة الفراش السلبية أو امتلاء المعدة أو القلق الذي يواجهه الشخص في حياته من تحديات وصعوبات وطموحات، أو المواجهات قريبة الزمن.
كما قد يدل على ما مرَّ مع الشخص في حياته الماضية، وغالبًا لا يأتي في المنام شعور الضيق لوحده مجرداً وإنما يكون ضمن سياق أحداث أو رموز لها دلالات، وهذه المشاعر ترتبط بهذه الأحداث أو الرموز.
من رأى كلبا يعضه في رِجْلِه وكان منزعجا في المنام فهو قد يدل على هم يناله أو مرض يتعلق في الكبد، وكذلك لو رأى الكلب يعضه في قدمه وهو يريد أن يبتعد ولم يكن منزعجا في المنام فهو صديق، وهو يحاول تثبيته في أمر ربما شاوره فيه، ويكون هذا مما وقع.
ولو رأت المرأة أنها جالسة مع زوجها وتجلس معهما أختها، وكانت كاشفة شعرها في مكان ما، والزوجة غير منزعجة من ذلك، وزوجها ينظر إلى أختها أمامها، فلعل الزوجة تحمل ببنت، ويكون في البنت شبه شديد من خالتها، وهذا مما وقع كثيرا مع اختلاف الأحوال.
وكذلك لو رأى الزوج أن زوجته تمشي معه في الشارع وهي خالعة لحجابها بالرغم من أنها محجبة في الواقع، وهو غير منزعج في المنام، فقد تعينه في الحياة بكل طاقتها، ولو كان منزعجا جدا ويمنعها فقد يدل على أنها تريد العمل أو الخروج من المنزل لسبب معين وهو لا يريد.
ومجمع الضيق والانزعاج غالبا في الصدر، فمن ضاق صدره فهو من الضيق والانزعاج، وقد ذكر ابن شاهين كلاما نفيسا جامعا له ولغيره من العلماء في ذلك، فمن ذلك:
- "من رأى أَن بصدره مَا يُنكر فِي الْيَقَظَة فَلَيْسَ بمحمود وَإِن رأى مَا يحمد فَإِنَّهُ مَحْمُود".
- "من رأى ضيقًا أَو صغرًا فِي صَدره فَإِنَّهُ يدل على نُقْصَان دينه".
- "قَالَ دانيال: ضيق الصَّدْر بخل وهم ووسعه ضِدّه، وَإِن رأى أحد من أهل الْملَل صَدره اتَّسع فَإِنَّهُ يدْخل فِي دين الإسلام".
- "قَالَ أَبُو سعيد الْوَاعِظ: وَمن رأى فِي صَدره مَا يؤلمه فَإِنَّهُ ينْفق مَاله فِي إِسْرَاف".
- "قَالَ السالمي: الصَّدْر يؤول بصندوق الرجل فمهما حدث فِيهِ كَانَ مَنْسُوبًا لَهُ".
من الرموز التي قد تدل على الضيق كل شيء مادي يحوي غيره، فما كان منه ضيقًا فقد يدل على الضيق الشديد، والواسع منه قد يدل على ضيق كبير؛ كالبطيخ والحذاء والخف واللباس والصندوق والقميص.
ومن ذلك ما ذُكر في التفسير المنسوب لابن سيرين أن الخروج من الباب الضيّق إلى السعة فهو خروج من ضيق إلى سعة ومن هم إلى فرج، ومثلها الخاتم والسوار والقلادة إذا ضاقوا، وكذا الطريق الضيق والبيت الضيق.
وكذلك الإعصار وشدة الأمواج أو الغرق أو الحرق أو الهواء الرطب أو السماء التي أطبقت أو الأرض كذلك، أو إذا رأى مناما يشعر فيه بضيق شديد، وكذلك انكماش يده وقدمه وقصر لسانه في البيان.
ومن رأى نفسه يصعد في السماء دل على ضيق في العيش لقوله -تعالى- في سورة الأنعام: (يَجعَل صَدرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ)، ومن ذلك ما ذكره ابن غنام في تفسيره: (وَكَذَلِكَ إِذا رأى كَأَنَّهُ يُبَاع أَصَابَهُ ضيق إِلَّا أَن اشترته امْرَأَة فَإِنَّهُ يكرم)، وغير ذلك من الأمور.
فهذه الرموز وغيرها مما قد يدل على ضيق الرائي وانزعاجه في الرؤيا وإن لم يشعر بالضيق في الرؤيا حقيقة، كما قد تدل على ضيق في واقع الرائي، وإن لم يشعر في الواقع بالضيق فيما يظهر له ابتداءً ثم لعله يجد هذا الضيق، وكل ذلك مرتبط في مشاعره في المنام كما هو مرتبط بطبيعة الأحداث والرموز الأخرى.