-

الحكم المستنصر بالله

(اخر تعديل 2024-09-09 08:09:33 )
بواسطة


هو أبو تميم معاذ المستنصر بالله بن علي الظاهر لإعزاز دين الله، ولد عام 1029م وتوفي عام 1094 م، وهو ثامن الخلفاء الفاطميين الذين شهدت الدولة الفاطمية في عهده الكثير من القوّة، والاتّساع، والازدهار للخلافة العبيديّة الفاطميّة، وامتدّت رقعة دولته لتشمل بلاد الشّام، وفلسطين، والحجاز، وصقلّية، وشمال إفريقيا، واشتهر اسمه إذ أصبح يُردّد على المنابر، وخُطِبَ له في بغداد عامًا كاملًا بعد أن تولّى الحكم من بعد وفاة والده وهو ابن ثمانية أعوام، وتمكّنت أمّهُ من تقلَُد مقاليد الحُكم، فكان ما كان من الفوضى والضّعف. وُلدَ وتُوفي في مصر عن يناهز 64 عام وتولّى ابنه هشام المؤيد بالله الحكم من بعده.


كان الحكم المستنصر بالله مُحباً للعلم والمعرفة، فكان مخالطاً لأهل العلم داعماً لهم وحريصاً على تلبية كفاية حاجاتهم حتى يتفرغوا للعلم كما كان يوفر لهم ما يحتاجونه من الكتب فيُرسل بإحضار المفقود منها من مختلف الأقطار، ولم يكن يكتفي بإحضارها وحسب بل كان يُطالعُها ويبدي رأيه فيها ويعتمد العلماء آرائه وملاحظاته عليها، ومن مواقفه التي يُشهد لها في حرصه على العلم والتعلّم؛ إنشاء مكتبة كبيرة احتوت بين رفوفها على أكثر من 400 مُجلّد ولم تضم المكتبة المجلدات والكتب، وكانت مجهزة بكل ما يحتاجه العلماء والدراسون من خدمات مجانيّة مما جعلهم من روّاديها الدائمون.


ولم تتوقف مكانة الحكم المستنصر بالله في حلقات العلم والعلماء، إذ أنّه كانَ رجلاً يخافُ الله حقّاً فعلاً لا قولاً فكان له الكثير من المواقف التي تشهد له بذلك؛ حيثُ أنَّهُ عزم على قطع كل أشجار العنب الموجودة في جميع أرجاء الأندلس كخطوة لمكفاحة وردع انتشار الخمر. وكان إنساناً عدلاً يتقي الله في أحكامه ورفيقاً برعيته.


شهدت دولة الحكم المستنصر بالله عهديّ ازدهار واضطراب كما يحدث في أي خلافة وكانت خلافته صلبةً زاهيةً وقويّة؛ إذ أنّه كان يُلاقي الدعم والمؤزارة من الوزير القوي أبي القاسم عليّ بن أحمد الجرجرائي، الذي سانده في بداية حكمه، وامتدَّ سلطان دولته إلى جميع أرجاء الأرض ولم يكتفي بذلك، فأصبح الحكم يتطلع لضم بغداد إلى حدود دولته بأخذها من الحكم العباسي واستطاع بالاحتكام إلى عقله وذكائه وفطنته بجذب واستمالة أحد قادة بغداد القائد البساسيري الذي تعاون معه؛ فمدّه بالأموال والذّخيرة، وانقلب مع الخليفة الحكم ضدّ الخليفة العباسيّ.


لم يطول استقرار الدولة الفاطمية طويلاً وبدأ الحال يميل إلى الاضطرابات الداخلية تحديداً من بعد وفاة الجرجرائي، وتسلُّم أُمّ المستنصر بالله مقاليد الحكم الأمور التي أودت الدولة إلى حالة من الضعف والوهن والتي كانَ من أبرزها ما توضحه النقاط الآتية:

  • عزلت اليازوري؛ وزير الدفاع الذي المُسيّطر على الجنود.
  • أثارت الفتنة بين طوائف الجيش.
  • مجاعة أكلت سبع سنوات من حياة النّاس وعرفت؛ بالشدّة المستنصرية.
  • انتشرت الأمراض والأوبئة بين الناس؛ لأكلهم الميتة من الكلاب والقطط.


وصل الخليفة الحكم إلى حالة عجز عقيمة الحلول من بعد الخراب الذي خلّفته والدته، فباع أملاكه إثر ذلك، وسقط مُلكه، وخرجت البلاد عن سيطرته، بعد ذلك تمالك الخليفة قواه وأخذ يُفكر في إعادة الأمور إلى نصابها، وتخليص البلاد ممّا حلّ بها؛ فاستعان بوزيره في عكا بدر الجمالي كقوة عسكرية لفرض النظام، وإعادة الهدوء والاستقرار إلى الدولة والذي استطاع أن يعيد نفوذ الخليفة على جميع بلاد.