-

التأمل: كيف يساعدنا التأمل على الحد من الضغط

(اخر تعديل 2024-09-09 08:09:33 )
بواسطة

أي إنسان قبل إقدامه على تحقيق أي عمل يبحث أولا عن الغاية من إنجازه، كما يكون تواقا لبناء تصور مسبق حول النتائج. وهذا ما يدفعه لسؤال نفسه لماذا أمارس رياضة معينة تستدعي مني ساعة كاملة من الحركة، وهذا السؤال يدفعه لوضع تصور حول الإجابة تتمثل بخسارة الوزن أو تقوية الجسد، وزيادة القدرة على التحمل.

هذا ما يدفع كل من يفكر في ممارسة التأمل أن يعرف ما الذي سيحصل عليه مقابل الوقت والطاقة التي سيصرفها على هذا النشاط. لماذا تقضي 20 دقيقة من وقت فراغك الذي حصلت عليه بشق الأنفس كل يوم لتقوم بعد أنفاسك أو تكرر نفس العبارة مرارًا وتكرارًا عندما يمكنك الركض أو تصفح الإنترنت؟ من هنا تبدأ بوضع تصور حول الإجابة، في الحقيقة أيا كانت الإجابة بالضرورة ستتمحور حول جوانب الضعف في حياتك التي تريد إصلاحها. وبناء عليه تطرح حاكيني هذا المقال الذي يبحث في معنى التأمل في الحياة، أساسيات التأمل، وكيف يكون التأمل طريقك للتخلص من الضغط والإجهاد النفسي.

معنى التأمل:

التأمل هو أن تدرك بأن الحياة لا تأتي دائما ضمن توقعاتنا، وهذا ما يجعلنا دائما نعيش في نطاق مشاعر مختلطة وغير ثابتة لنجد أنفسنا نعايش مشاعر التوتر، خيبة الأمل، الخوف، الغضب، السعادة، الأمل، الأذى، وغيرها الكثير من المشاعر. من هنا يبرز دور التأمل الذي يساعدك على تعلم كيفية إدارة مشاعرك مهما كانت صعبة، عن طريق الاتزان والتعاطف، وإفهامك بأنه لا وجود لخرافة الحياة المثالية.
التوت الأسود الحلقة 1

هناك الكثير من الناس الذين يمكن أن نحصر سبب معاناتهم بأنهم يقارنون حياتهم ببعض الصورة المثالية عن كيف من المفترض أن تكون الحياة. تتراكم هذه الصور معًا من الطفولة، وسائل الإعلام، والأهواء الشخصية. تكمن الإشكالية في أن هذه الصورة المثالية للحياة تصبح مقياسا تقيس عليه نجاحك أو فشلك.

قد تكون هذه الصورة المثالية للسعادة في حياة بالنسبة لك هي أن يكون لديك عائلة وأطفال أو القدرة على تحقيق الشكل المثالي أو اللياقة البدنية لجسدك. وتنتج المشكلة وتصورك عن نفسك بأنك فاشل عند عدم قدرتك على تحقيق ما سبق، مثلا أن تكون الأنظمة الغذائية ليست فعالة بشكل كامل، ولا يمكنك أن تلتزم بأنظمة التمارين الرياضية، وفي كل مرة تنظر فيها في المرآة، تشعر بأنه قد يغمى عليك. أو ربما يكون منظورك عن السكينة هي العلاقة المثالية. أو أنك تقترب من عمر الأربعين دون أن تجد الشريك المناسب لك.

مهما كان تصورك أو مفهومك حول الحياة المثالية أو الإنجازات المثالية، أو الجنس المثالي، أو الصحة المثالية، أو حتى راحة البال الكاملة، عليك أن تدرك بأنك تدفع ثمناً باهظاً من حياتك في سبيل تحقيق مثل هذه التوقعات العالية. عندما تفشل في أن ترقى إلى مستوى تلك التوقعات، كما تفعل حتمًا، سينتهي بك الأمر إلى المعاناة وإلقاء اللوم على نفسك. لذلك عليك أن تتعلم أنه لو كنت قد حققت شكل العائلة التي تريد، كان لديك الجسد المثالي، والعلاقة العاطفية المثالية، فهذا ليس مقياسا لنجاحك أو فشلك. بل وتكمن المشكلة في أنك تجد نفسك في النهاية تشعر بالملل وتريد المزيد، أو تقضي كل لحظة فراغ تكافح من أجل حماية ما لديك أو التحكم فيه.

ما هي أساسيات التأمل؟

1. أن تدرك بأن الحياة المثالية هي مجرد خرافة.

يدفعك التأمل لأن تدرك بأن المعايير المثالية لتحقيق أي شيء هي مجرد خرافة، والسبب وراء ذلك بسيط جدا وهو أننا لا نملك كبشر القدرة المطلقة في التحكم بكل مسارات ومجالات حياتنا. وباقتناعك بذلك لن تكون أمام أي ذنب أو قلق أو توتر حيال عدم تحقيقك للحياة المثالية، دورك يتمثل في أن تسعى وتحاول في التحكم بما لديك القدرة على التحكم به، ولا بأس من أن تحقق في نهاية ذلك كله قدر ضئيل من النجاح الذي تتوقعه. لكن يجب أن تتعلم أن هذا القدر الضئيل للنجاح هو أمر تراكمي تحصد نتائجه على المدى الطويل.

قد تواجه صعوبة في تقبل ذلك، ولكن عليك أن تؤمن بما تمليه عليك التعاليم التأملية وتقتنع بالحقيقة التي تقضي في أن كل إنسان لا يملك سوى قدر بسيط من السيطرة على الأحداث في حياته. فقط عليك أن تتخذ القرار بالخروج من نطاق الحياة المثالية والقيام بما عليك القيام به وهذا هو الهدف من الحياة ليس إلا.

2. اتبع أحلامك وعش حقيقتك.

عليك أن تتبع أحلامك وأن تعيش حقيقتك؛ هذا جزء مهم من معادلة التأمل. لكن يبقى السؤال كيف يمكن تحقيق ذلك عندما تقرر الحياة بظروفها القاسية أن تصفعنا؟ أو عندما تفقد توازنك تمامًا وتحرم من كل ما اكتسبته، بما في ذلك ثقتك بنفسك واحترامك لذاتك التي اكتسبتها بشق الأنفس، أين تذهب للعون والدعم؟ كيف تتعامل مع الألم والارتباك؟ ما هي الموارد الداخلية التي تعتمد عليها لإرشادك خلال هذه التضاريس المخيفة وغير المعروفة؟

يعلمك التأمل بأن الحياة مليئة بالحتميات التي لا مفر منها مثل: المرض والموت. ولكن مقابل هذه الحتميات التي لا مفر منها تقدم لنا الحياة الكثير من الحب، الجمال، الفرح، وأن كل الأشياء تتغير وكلها غير ثابتة. وعندما تواجه مصاعب الحياة بهذه القناعة حينها فقط تكون قد حققت التنوير الذي يسعى إليه التأمل.

3. تنمية القبول لديك من خلال تعليمك الاحتفاظ بالحكم والانفتاح.

الحياة عبارة عن تفاعل مستمر بين النور والظلام، النجاح والفشل، الشباب والهرم، اللذة والألم، والحياة والموت. تتغير الظروف باستمرار، ويبدو أنها تنهار في لحظة واحدة، فقط لتلتقي في اللحظة التالية. كل شيء يفقد توازنه باستمرار لذلك عليك أن تقتنع بأن مفتاح راحة بالك لا تكمن في ظروفك، ولكن في كيفية استجابتك لها. كما يقول البوذيون "المعاناة هي الرغبة فيما ليس لديك وعدم الرغبة فيما لديك"، في حين أن السعادة هي عكس ذلك تمامًا: الاستمتاع بما لديك وعدم التوق لما ليس لديك. لا يعني هذا المفهوم أنه يجب عليك التخلي عن قيمك وأحلامك وتطلعاتك، بل فقط أنك تحتاج إلى موازنة هذه القيم مع القدرة على قبول الأشياء كما هي. يمنحك التأمل فرصة لتنمية القبول من خلال تعليمك الاحتفاظ بالحكم والانفتاح على كل تجربة دون محاولة تغييرها أو التخلص منها.

حمل تطبيق حاكيني للصحة النفسية للحصول على تمارين وبرامج نوعية لممارسة التأمل.

كيف يساعد التأمل على الحد من الضغط النفسي؟

فيما يلي بعض بعض الأعراض التي تصاحب الضغط النفسي، والتي يساعدك التأمل على التخلص منها:

  • القلق والتوتر: عند إقدامك على أي خطوة جديدة سريعا ما ينتابك الشعور بالقلق والتوتر إزاءها، وهذا هو رد فعلك الأول عند محاولتك استعادة ثباتك. ردة الفعل هذه ما هي إلا استجابة فطرية في جيناتنا من خلال ملايين السنين من العيش. في هذا العصر الذي يطلق عليه عصر السرعة، أنت مجبر كل يوم على اتخاذ قرار يدفعك للمضي قدما، وهذا سيؤدي بالضرورة إلى تراكم المخاوف الصغيرة لديك وتحولها إلى توتر وضغوط مستمرة. قد يشعر جسدك بالاستعداد دائمًا ضد الهجوم التالي من الصعوبات والمسؤوليات، مما يجعل من المستحيل عليك الاسترخاء والاستمتاع بالحياة بشكل كامل. يمكن أن يوفر التأمل الترياق الذي تشتد الحاجة إليه، من خلال دفعك لإرخاء جسمك وتقليل التوتر.
  • التشتت: تحتم علينا متطلبات الحياة بكثرتها إلى أن يكون لديك القدرة على عمل أكثر من مهمة في ذات الوقت، لذلك نجد أنفسنا الآن ننقل أطفالنا إلى المدرسة أو الرعاية النهارية، ننتقل لمسافات طويلة إلى العمل، بينما نتحقق من رسائلنا على الهاتف المحمول، في طريق العودة إلى المنزل قد نتوقف عند المركز التجاري، وقد نقضي أمسياتنا في تصفح الإنترنت. نحن نغير الوظائف والشركاء بشكل متكرر أكثر من أي وقت مضى، على الرغم من أننا قد لا نكون قادرين على مواكبة موجة التشرذم هذه، إلى أنه يمكننا استخدام التأمل لربطنا بكمال أعمق لا يمكن للظروف الخارجية أن تزعجه.
  • الاغتراب: طبقا لما ذكرناه سابقا حول التشتت بات الإنسان يعيش حياته وكأنها قطع من أحجية لا تتوافق مع بعضها البعض، لذلك لا عجب في أن ينتهي بنا المطاف بالشعور بالتوتر الدائم. نظرا لبعض الظروف الصعبة يعمل الكثير من الناس في وظائف ذات الدخل المحدود بحيث تكفي لدفع الفواتير، ولكنهم يفشلون بربط ذلك بالإحساس بالقيمة أو الهدف. وذلك لاعتقادهم أن هذا هو الوضع الطبيعي ولا حاجة للخروج عما هو مألوف وطبيعي. يبدو أن البشر لم يشعروا أبدًا من قبل بالغربة، ليس فقط عن عملهم وحكومتهم، ولكن أيضًا عن الآخرين وأنفسهم وذواتهم الأساس، يمكن أن يساعد التأمل في شفاء اغترابنا عن الآخرين والعالم بأسره، وذلك من خلال منحنا المهارات الكافية لإعادة اتصالنا بالمجتمع ويكون ذلك من خلال سد الفجوة التي تفصلنا عن أنفسنا.
  • الوحدة والعزلة: متطلبات الحياة وما تفرضه عليك من انشغال دائم، متكرر، ومشتت تجعل احتمالية وجود تواصل منتظم مع الأشخاص الذين تعرفهم وتحبهم قليلة، وحتى إذا كنت تفعل ذلك، من الممكن أن تكون مشغولًا جدًا بحيث يصعب عليك التواصل بشكل دائم بطريقة ترضيك وترضيهم. قد لا تتمكن من كبح جماح الانشغال الذي يفرقك عن المقربين منك، ولكن يمكنك استخدام التأمل لتحويل كل لحظة معهم إلى وقت ممتع.
  • الاكتئاب: عندما يشعر الناس بالوحدة، الاغتراب، التوتر، والانفصال عن مصدر للمعنى والهدف، فلا عجب أن ينتهي الأمر بالبعض إلى الاصابة بالاكتئاب. بات من المألوف جدا في وقتنا الحالي تناول ملايين الأشخاص الأدوية الكيميائية لتغيير الحالة المزاجية لكل يوم، وذلك تجبنا للشعور بالألم. يمكن أن يوصلك التأمل بمصدرك الداخلي للرضا والفرح الذي يبدد بشكل طبيعي غيوم الاكتئاب.
  • الأمراض المرتبطة بالإجهاد: من صداع التوتر وعسر الهضم الحمضي إلى أمراض القلب والسرطان، يعكس الارتفاع المطرد في الأمراض المرتبطة بالإجهاد عدم قدرتنا الجماعية على التعامل مع عدم الاستقرار والتشرذم في عصرنا، برامج الرعاية الصحة الحالية تخفي فقط المشاكل المتمثلة في الخوف، التوتر، والارتباك. قد أظهرت العديد من الدراسات العلمية، يمكن للممارسة المنتظمة للتأمل في الواقع معالجة العديد من الأمراض المرتبطة بالتوتر.
  • الحقيقة الوحيدة الحتمية هنا أن الظروف تتغير باستمرار لكن يبقى السؤال إن كان هذا التغيير سريع وله تأثير عميق على حياتنا. من خلال مشاهدة الأخبار أو قراءة الصحف، تؤثر علينا الإحصائيات وصور العنف والمجاعة والمرض؛ التلوث البيئي وعدم الاستقرار الاقتصادي. كلها تمثل عالمًا يبدو أنه يتحول بشكل متزايد إلى عالمٍ ممزق.

    على المستوى الشخصي أنت تعاصر بشكل شبه يومي التغيير، ربما تكون قد فقدت وظيفتك بسبب تخفيض الشركة لعدد الموظفين، أو أنهيت علاقة لأن من تحب قد سافر إلى دولة أخرى، أو كنت ضحية لجريمة عنيفة، أو فقدت أسهم في سوق البورصة. ربما تقضي وقت فراغك في اكتشاف كيفية المضي قدمًا في بيئة عمل تنافسية، أو قد تستلقي مستيقظًا كل ليلة قلقًا بشأن الوقت الذي ستصل إليك فيه موجة التغيير وترميك بعيدًا.

    ما يريد التأمل إيصالك إليه من كل ذلك، أنه عندما يصبح التغيير المستمر أسلوب حياة والقيم والحقائق يتم تفكيكها بسرعة، عليك أن تدرك كيف تمشي في طريق الحياة وأنت تعرف ما هو حقيقي وتعرف حتى كيفية اكتشاف ذلك؟ نعم، يمكن القول أن طرق البحث عن كل ذلك قد تعددت إذ يمكن البحث عن طريق الويب أو القنوات والمصادر الإعلامية. لكن على الرغم من المزايا التي لا جدال فيها لجميع أدوات البحث التي لا غنى عنها، لكنها تبقى أداة تمكنك من التواصل بشكل أسرع لكن ليس بشكل غني وهادف. لأن مثل هذا التواصل يفرض ثمنًا عاطفيًا وروحيًا باهظًا، لطالما كنا نميل إلى إنكاره في محاولتنا الجماعية لإبراز الإيجابي وإنكار السلبي.

    اقرأ أيضا : فوائد التأمل للعقل والجسم