-

القيم الروحية والمادية في العصر الجاهلي

(اخر تعديل 2024-09-09 08:09:33 )
بواسطة

القيم الروحية تخرج في الغالب من الدين أو ما يمكن عدّه ديناً، وكان العرب في الجاهلية المعروفة أكثرهم على الوثنية آمنوا بقوى إلهية مختلفةً منهم من اعتبرها في الأوثان على أنهم وسطاء بينهم وبين الله وأشركوها في العبادة، ومنهم من اعتبرها في الكواكب ومنهم من اعتبرها في مظاهر الطبيعة، وقد اتخذوا رموزاً للدلالة عليها كالأحجار والأشجار.

الوثنية الجاهلية

وأكثر ما انتشر من الديانات هو الوثنية، وانتشرت الأصنام في القبائل انتشاراً كبيراً، وكانوا يكبرون بعضها أكثر من غيرها، وكان لكل قبليةٍ أصنامها، وأعظم أصنام الجاهلية هو هُبَل كان على شكل إنسانٍ مصنوعٍ من العقيق ويده اليسرى من الذهب، عبدوها وكانوا يرجونها ويخافون من غضبها ويقدمون لها القرابين.

ومما يتعلق بالوثنية الاستقسام بالأزلام حيث كان عند الصنم سبعة سهام كتبوا عليها ما يشير لقبول الأمر وعلى بعضها ما يشير إلى رفضه، وكأنهم كانوا يستشيرون آلهتهم فتخربهم عن طريق هذه الأزلام، استخدموها عندما كانوا يشكّون في نسب أبنائهم، أو إذا أرادوا السفر أو الزواج وغيرها.

وارتبطت بهذه الأوثان عباداتهم، حيث جعلوا لها بيوتاً فكانوا يحجون لها، وقامت على أمور الحجاج جماعاتٍ مخصصة كان الوصول لها شرفاً عظيماً، وقد ابتدعوا وتفننوا في تقديم القرابين لها، فقربوا البحيرة والسائبة والوصيلة والحام وهي أوصافٌ للأنعام إذا أكملتها قدموها لآلهتهم، وجعلوا الحج في أشهر محددةٍ اعتبروها أشهراً حرماً حرّموا فيها سفْك الدم والحروب.

اليهودية والنصرانية

دخلت اليهودية إلى الحياة الجاهلية إثْر خروجهم من فلسطين على الحجاز واليمن، وأما النصرانية فانتشرت بداية الأمر بتشجيع من قيصر الروم ببسْط نفوذه على بلاد الحجاز، وكان تجمعهم الأكبر في نجران، ودخلها أبرهة الحبشي بعد ذلك، ونشر النصرانية وقد انتشرت تعاليم اليهودية على قلة والنصرانية أكثر منها بقليل، وقد ساهمت تعاليم النصرانية في عودة الحنفية الإبراهيمية.

إيمان الجاهلية بالأرواح

آمن الجاهليون بوجود الأرواح وكانوا يعتقدون بوجودها حولهم، وهذه الأرواح منها الخيّرة وهم الملائكة، واعتقدوا أنها بنات الله تعالى عن ذلك، وجعلوها شركاء لله في العبادة، وأرواحٌ شريرة هي الشياطين والأغوال والسعلاة، وكانوا يتعبدونها ويخافون منها ويجعلون بينها وبين الله _تعالى عن ذلك_ نسباً، وكانوا يعتقدون أنّ للكاهن رئياً من الجن يخبره بالغيب.

وساهم هذا في ظهور الكهانة والعرافة، فأما الكهانة فهي معرفة الأمور المستقبلية، وأما العرافة فهي معرفة الأمور الماضية، وكانوا يستعملون في ذلك معرفة الأمور وربطها ببعضها لتوقع ما يحصل، ومن الكهان شق أنمار، وسطيح بن مازن، ومن الكاهنات طريفة الكاهنة، وزبراء، وممن اشتهروا بالعرافة رباح بن عجلة والأبلق الأسدي.

المثل العليا ومصدرها

عاش الجاهلي بالعصبية القبلية، فكان يغضب لغضبها ويرضى لرضاها، ولم يعش حياته إلا لها يخلص لها وتفانى في حفظ شرفها ورفع شأنها، فبالغ في فهم معنى الشرف فأحب الظهور ورفعة الشأن، حتى تنافسوا في ذلك وأرادت كل قبيلة الفور بفضل الشرف ومكارم الأخلاق فمجدوا هذه المكارم وتباروا للوصل إلى أعلاها.

فظهر لديهم الكرم والشجاعة والصدق وإغاثة الملهوف ومساعدة المحتاج وغكرام النازلين عليهم، وحفظ حقوق الجار، كما أدى لذلك للإسراف في الإنفاق على أنّه دلالةٌ على العزة والشرف، وقدروا معنى الإنسانية حيث أحسوا بالجوع وغربة السفر، وأوقدوا النيران ليلاً للاهتداء إليها.

إنّ الوثيقة التي صورت لنا الحياة المادية في العصر الجاهلي هي الشعر الجاهلي، حيث كان الشعر الجاهلي يصور طبيعة هذه الحياة في كافة جوانبها المعنوية والمادية، حتى أضحت المادية سمةً من سمات الشعر الجاهلي فحوّلوا المظاهر المعنوية إلى ماديةً وذلك يرجع لطبيعة الحياة التي عاشها الجاهليون والتي اتسمت بالخشونة وشظف العيش.