-

الفرق بين الظاهرة الاجتماعية والمشكلة الاجتماعية

(اخر تعديل 2024-09-09 08:09:33 )
بواسطة

تشير المشكلة الاجتماعية إلى أي حالة أو سلوك يترتب عليه عواقب سلبية على مجموعة كبيرة من الناس؛ ويتم التعرف عليه عادةً كسلوك بحاجة للمعالجة، وعليه فإن الشرطين الأساسين الواجب تواجدهما لوصف سلوك ما بأنه مشكلة مجتمعية؛ أن يتم التأثير على أعداد كبيرة من السكان، وأن يتم الاعتقاد بأن هذا السلوك بحاجة لتغيير تصحيح.

كما يشير مصطلح "المشكلة الاجتماعية" إلى الظروف الاجتماعية، التي تضر بالمجتمع مثل الجريمة والعنصرية وغيرها، وهو سلسلة من الحالات التي يتم اعتبارها من قبل العديد من الملاحظين؛ بأنها مشكلة ولها عواقب سلبية.

فيما يتبنى علم الاجتماع منهجًا تحليليًا مختلفًا كليًا لتعريف المشكلة الاجتماعية؛ والذي يتمثل بتحديد العملية التي أدت إلى اعتبار سلوك ما على أنه مشكلة مجتمعية، أي أنه يركز على كيف ولماذا يعتقد الناس أن بعض الظروف يجب النظر إليها، باعتبارها "مشكلة".

وعادة ما تتبع معايير غير ثابتة نسبيًا لتحديد هذه المشاكل؛ أي أنها تتبع توجهات ورؤى فردية، فما أن تنتقد فئة مجتمعية بارزة أمرًا، وتطلق عليه لقب "المشكلة الاجتماعية" حتى يبدأ الآخرون برؤية الأمور من ذلك المنظور، ثم يشاركونهم إدعائهم أي أنها تتفشى كالعدوى.

تشمل الظواهر الاجتماعية جميع السلوكيات التي يمكن أن تؤثر أو تتأثر بالكائنات الحية، بالقدر الذي يكفي لتحرير استجابة أحدهما للآخر، وهذا التعريف يشمل جميع التأثيرات من الأجيال السابقة وعبر السنوات المتلاحقة.

وتقدم الدراسات الاجتماعية أساسًا لهذا المفهوم، ومن التطورات التي تمت على هذه الدراسات: الاتجاه السلوكي، والتأكيد على الطبيعة الموضوعية للحياة الاجتماعية، بالإضافة إلى دراسة المجموعات، والحياة الجماعية، والدراسة البيئية، والأيكولوجية.

ولتحديد هذا المفهوم يذهب الباحثون إلى الاعتقاد بأن الأساس البارز لهذا التمييز، أو التحديد هو أساس نفسي يسمى "الوعي"؛ بحيث لا يشترط وجود نشاط واعي من قبل الكائنات الحية لحدوث التأثيرات، والتفاعلات التي تشكل الظواهر المجتمعية.

وبمعنى آخر فإنه يتم التشكيك في التفاعل الواعي المحتاج لعملية "التفكير"، أو النشاط المفاهيمي، فلا يمكننا الجزم بدقة فيما اذا رافق هذه التأثيرات وعي ما بها وبنتائجها؛ فالبشر غالبًا ما يمارسون عددًا كبيرًا من التأثيرات التي لا يدركونها، أي أنه لا تسبقها عمليات تفكير.

وبفهم التعريفات السابقة لكل من الظاهرة والمشكلة المجتمعية؛ فإنه بامكاننا القول بأن مفهوميهما قريبان من بعضهما للغاية، ولا يمكن التمييز بينهما بأكثر من المفهوم؛ فالعلاقة التي تربطهما تعتبر شائكة حقًا، كما أن أحدهما يؤدي للآخر بطريقة سببية وتبادلية في ذات الآن.

وتفسير ذلك أن المشكلات المجتمعية عبر تطورها، واستمرارها بمرور السنوات تؤدي إلى تكوين ظواهر اجتماعية منتشرة؛ على مستويات أكبر وأشد خطورة، وفي نفس الوقت فإن بامكان هذه الظواهر الناتجة التسبب بمشكلات جديدة.

كما أنها تؤدي إلى مفاقمة المشكلات التي سببت وجودها في بادئ الأمر؛ أي أنهما يتفاعلان في حلقة مغلقة تؤدي كل نقطة منها إلى الأخرى، تمامًا كلغزالدجاجة والبيضة: من جاء أولًا؟.

إلى أن هناك مجموعة أخرى من المشاكل والظواهر المجتمعية؛ التي تنتج بشكل مفاجئ نتيجة تغيرات بيئية، أو سياسية، أو حكومية، أو غيرها، وليست بتأثير مرور الوقت وتفاقم الأوضاع التي تركت بلا حل أو علاج ما.

وعلى سبيل المثال "فظاهرة الفساد" المتفشية في كل البلدان تتسب في "مشكلة الفقر" في قاع السلم الاقتصادي، ومشكلة "تجارة العبيد" أو "الاتجار بالأعضاء"؛ ولكننا لا نستطيع أن ننفي تدخل يد الفقر في ظهور نوعي التجارة سابقي الذكر!؛ فمن بدأ أولًا ؟، الفساد بجميع أشكاله الأخلاقي والاقتصادي وغيره، أم الفقر أم تجارة العبيد والأعضاء؟.

ويمكنك أن تأخذ أيضًا "ظاهرة عمالة الأطفال"؛ فمن الطبيعي أن تكون "مشكلة الفقر" قد غذت جذور هذه الظاهرة، ولكن أليس من الطبيعي أيضًا الاعتقاد بأن "ظاهرة الفساد الأخلاقي" قد تسببت بنشوء ظاهرة عمالة الأطفال؟؛ فليس هناك طريقة راجحة للجزم بأن "المشكلة الاجتماعية" تسببت في "الظاهرة الاجتماعية" أم العكس.

وعند النظر إلى مشكلة الفقر فإن المسؤولين يفضلون إلقاء اللائمة على الفقراء؛ الذين لا يرغبون بتغيير مصائرهم، ويفضلون تلقي المساعدات والمعونة الوطنية، الأمر الذي يشير إلى فهم خاطئ لأصل المشكلة وأبعادها.

ومع بقاء هذه المشكلة لسنوات فإنه سينشأ عنها بالضرورة ظواهر مجتمعية وخيمة؛ كالسرقة، والقتل، وتجارة المخدرات، وغيرها، ولهذا تعتبر المسألة شديدة التشابك؛ فجميع أطرافها تغذي بعضها البعض.