تأثير التكنولوجيا على القيم الأخلاقية
أصبحت التكنولوجيا حولنا في كل مكان، تتخذ أشكالاً عدة، مثل: أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية وتقنيات الإنترنت والذكاء الاصطناعي، وتتطور هذه التقنيات باستمرار لتشكل جزءاً رئيسياً من حياتنا اليومية، ونظراً لهذا التطور فقد أتاحت التكنولوجيا الفرصة لنا لمشاهدة ممارسات وثقافات لأشخاص أو جماعات من مختلف أنحاء العالم، وهو ما يؤثر إيجاباً أو سلباً على معتقداتنا بما ينعكس على قيمنا ومبادئنا الأخلاقية.
أصبح العالم في وقتنا الحالي مترابط إلكترونياً إلى حد كبير، فيمكن لمقطع فيديو لشجار مجموعة من الأشخاص أن ينتشر بسرعة قياسية، ويمكن لمقاطع المعارك الدموية أن تجوب عدة دول في دقائق قليلة، كما يمكن أن تقوم المئات من الحروب الرقمية القائمة على العدوان الفكري والتنمر على الشبكة العنكبوتية وما ينتج عنها من انتشار للكراهية والضغينة بين المجتمعات.
إن المنظومة الأخلاقية اعتمدت من السابق على الموروث الاجتماعي الذي نكسبه من خلال التفاعل المباشر مع الآخرين، والذي يساهم في أن تكون تصرفات الفرد وأفعاله معتدلة وتنمي مهاراته في التواصل الجيد مع الآخر، ولكن عند غياب التفاعل البشري واقتصاره على تفاعلٍ رقمي من خلف شاشات الحواسيب والأجهزة الذكية، فمن المرجح أن يتدنى مستوى التوقعات الأخلاقية لتصرفات الأفراد لغياب الرادع الاجتماعي.
أثرت مواقع التواصل الاجتماعي على العلاقات الإنسانية التفاعلية بشكل كبير، فأصبحت العديد من الجلسات الأسرية في المنازل تخلو من تبادل الأحاديث التي تعزز أواصر الترابط الاجتماعي والأسري، فتجد كل فردٍ من أفراد الأسرة مشغولاً بتصفح مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة به على هاتفه النقال، بالإضافة إلى أن الكثير من الأشخاص فقدوا القدرة على تحمل البقاء بمفردهم، فبجرد وجود أي دقيقة فراغٍ لديهم يهرعون للعبث بهواتفهم النقالة، وهو ما يفقدهم بعض اللحظات الفارغة في يومهم لتأمل الذات واكتشافها وتصويبها وتقويمها وإقامة حوارٍ مع النفس والتفكير في المستقبل، وينتهي الأمر بهم للنظر إلى العالم الخارجي فقط.
يعتبر الأطفال أكثر الفئات العمرية التي تتأثر من تدني درجة التفاعل البشرية والانكفاء خلف شاشات الأجهزة الرقمية، لكونهم في مرحلة عمرية تتطلب مرورهم بأكبر عدد ممكن من التجارب الاجتماعية التفاعلية الملموسة، لتتشكل المنظومة القيمية والأخلاقية لديهم ويكتسبون مهارات الاتصال والتواصل المعتدل مع الآخرين.
ويمكن اتخاذ بعض الطرائق والإستراتيجيات للحد من الآثار السلبية للتكنولوجيا على المنظومة الاجتماعية والأخلاقية في المجتمع ومنها الآتي:
- البناء القيمي السليم لأفراد المجتمع ليتمكنوا من مواكبة التكنولوجيا بشكل حضاري، والتصدي للآثار السلبية التي يمكن أن تنشأ عنها.
- الاستفادة من أوقات الفراغ لدى الأطفال والشباب في إكسابهم مهارات ريادة الأعمال والتي تنمي لديهم الحس بالمسؤولية الأخلاقية تجاه مجتمعاتهم.
- إنشاء البرامج التوعوية في نشر ثقافة الالتزام بقوانين المجتمع ومعاييره واحترامها.
- تعزيز الرغبة المجتمعية في التفوق العلمي والتكنولوجي وإكساب الأفراد القيم والمعارف العلمية التي تمكنهم من مواكبة التطورات العلمية والتكنولوجية.
- نشر ثقافة احترام الآخر وقبول التعددية والتعامل الإيجابي معها بمختلف أشكالها الدينية والثقافية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية.