دور الصبر والتسامح في تماسك الأسرة والمجتمع
تتعرض الأسرة بين الحين والآخر إلى أزمات وظروف تستدعي اتخاذ الإجراءات المناسبة لحلها من قبل أفراد الأسرة، وأكثر هذه الخلافات تحلّ بالتحلي بخلقي الصبر والتسامح، فهما أساس العلاقة الأسرية القوية، فلهما الدور الكبير في تماسك الأسرة، والذي يظهر جليًا من خلال الآتي:
تجاوز الخلافات الأسرية وحلها
إن من أكثر ما يعيق طمأنينة الأسرة اعتقاد كل من الزوجين بوجوب السعادة الكاملة من الآخر، وهذا الاعتقاد هو سبب أكثر المشاكل الأسرية، فإن على كل فرد في الأسرة أن لا يكون أنانيًا يطلب السعادة من الآخر ثم لا يقدمها هو، وهذه السعادة لا تتحقق إلا بالتحلي بالصبر والتسامح؛ لأن الحياة الأسرية لا يمكن أن تمضي بلا عقبات تتعرض لها الأسرة بين الحين والآخر.
وكثرة الالتفات لهذه العقبات تفسد الحياة الأسرية وتعرضها للتفكك والتشتت، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو إلى التساهل والتسامح بين أفراد الأسرة ما دام ذلك ممكنًا، فإن كره أحد أفراد الأسرة من أحد شيئًا تجاوزه بالصبر عليه والتسامح، وبذلك تخرج الأسرة من خطر الضياع أو الانحلال، ويصير الأفراد على وفاق تام بتجاوز العقبات والخلافات الأسرية.
تغيير الطباع غير المرغوب فيها في الطرف الآخر
إن مما رغب الشرع الإسلامي به وحث الأفراد عليه الصبر في التعامل بين أفراد الأسرة، كما حث أيضًا على تحمل كل من الزوجين طباع الآخر، فإن كره أحد الأفراد في الآخر خلقًا وجد خلقًا آخر يسد محله، وبالصبر تحل الخلافات الأسرية.
كما بالصبر أيضًا يعطى كل فرد الفرصة للتغيير من طباعه السيئة من خلال نصحه للطرف الآخر، ومن خلال الموعظة الحسنة، وإبداء كل طرف رأيه بما يزعجه في الطرف الآخر، وما يريد أن يتغير ويتحسن مع الوقت.
تجاوز الأزمات والتغيرات المختلفة في الأسرة
تتعرض الأسرة باستمرار لمجموعة من الأزمات والظروف المختلفة، وقد لا تكون هذه الظروف مرتبطة بأحد أفراد الأسرة ضرورة، فقد تأتي من الأهل أو الجيران أو محيط الأسرة بشكل عام، أو قد تكون بسبب مرض أحد الزوجين، وقد تؤدي هذه الظروف إلى أزمات مستمرة، ومشاكل كثيرة داخل الأسرة.
لذا فإن أول ما يوصى به الزوجان الاحتمال والتسامح والصبر، وخاصة إن كان الخطأ من الضعيف قبل القوي في الأسرة، وذلك احتمالًا لضعفه، وصبرًا عليه لعله يغير طباعه، وحرصًا على أن لا تتأثر الأسرة بتغير الظروف ولا تتفكك أبدًا.
الشعور بالراحة والطمأنينة داخل الأسرة
إن من أهم ما يعين على تماسك الأسرة، شعور أفرادها بالراحة والتوافق والوئام، وكذلك أن تسلم الأسرة من الخلافات المتكررة، والتي لا يمكن تفاديها دون التخلق بالصبر والتسامح واحتمال كل فرد من أفراد الأسرة للآخر، وبهذا يسود جو من الراحة والطمأنينة في الأسرة، عندما يرى كل فرد أنه متقبل داخل أسرته، وأن أخطاءه يتم التسامح معها.
يعيش في المجتمع الواحد العديد من فئات المجتمع، والتي قد تختلف في الأديان أو الأعراق أو العادات والتقاليد، وللصبر والتسامح دور كبير في تماسك جميع هذه الفئات في المجتمع، ويظهر دورها جليًا من خلال الآتي:
نشر المحبة وتعزيز التعايش بين الناس في المجتمع
إن من أهم المبادئ التي يدعو لها التشريع الإسلامي، وكذلك تدعو لها المجتمعات تعزيز قيمة التسامح؛ والتي من أهم نتائجها أنها نقلت الإنسانية من أجواء الحقد والعنصرية والكراهية والتفرقة، إلى أجواء المحبة والتسامح والتعاون، وصبر أفراد المجتمع على بعضهم البعض.
والمجتمع الذي يتميز بانتشار قيمة التسامح فيه، فإننا لا نرى أثرًا لاستعلاء عرق على عرق فيه، ويتميز بتعايش أفراد المجتمع مع بعضهم البعض؛ فتكون من نتائج قيمة أن الناس جميعًا سواسية تقبل أخطاء الجميع، ونشر التسامح والصبر فيما بينهم، وتقوية روابط المجتمع.
تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة
إن من أهم ثمرات انتشار قيم الصبر والتسامح بين الناس؛ تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، فالإنسان المتسامح تجاه مجتمعه يسعى لتحقيق مصلحته ولو كان على حساب مصلحته الشخصية، فالمصلحة العامة مكملة للمصلحة الشخصية، والفرد مسؤول عن حفظ النظام العام، فلا يصح أن يتصرف بما يعطل النظام العام أو ما يسيء إلى المجتمع أو يعطل مصالحه.