مفهوم البادية
تعرف البادية (بالإنجليزية: Bedouin) بأنّها منطقة يقطنها سكان يُسمون بالبدو، وهي مناطق تقع في غالبيتها في الصحاري، مثل: صحاري شمال أفريقيا، وصحراء شبه الجزيرة العربية، وصحراء العراق، وصحراء الأردن، وصحراء مصر وصحراء فلسطين.
ويحتل بدو الجِمال، نسبة إلى رعيهم للجِمال أراضٍ ذات مساحات كبيرة في صحراء المملكة العربية السعودية، أما بدو الأغنام والماعز فيقطنون في مساحات أصغر من بدو الجمال، ويقيمون بشكل رئيسي في الأردن، وسوريا، وجنوب شبه الجزيرة العربية، والسودان، ويطلق عليهم مصطلح البقّارة (Baqqarah) تاريخيًا.
العمل في البادية
يعمل معظم البدو كرعاة للحيوانات وغالبًا ما تُصنّف القبائل البدوية على أساس الحيوانات التي ترعاها، وهي مصدر الدخل الرئيسي بالنسبة لهم، وفي فصل الشتاء يهاجر البدو للصحراء، أمّا في فصل الصيف فيرجعون للأراضي الزراعية، ويمتهنون مهنًا مختلفة كالفلاحة.
وتعرف حياة البادية بأنّها تفتقر لمصادر الدخل بسبب بساطتها وابتعادها عن التقدّم الحضري في المدن؛ لذلك كانت قبائل البدو تغور على القوافل التجارية التي تمر في باديتها، كما كانت تأخذ مالًا مقابل حماية المناطق المحيطة بها.
ومن الممكن أن تعيش عائلات صغيرة هي ليست في الأصل بدوية في حياة البادية، لكنّها تخضع في هذه الحالة لحمايتهم، وفي المقابل تعمل هذه العائلات لخدمتهم في العديد المهن والحرف كالحدادة والنجارة.
ينقسم تاريخ البادية إلى العديد من المراحل، أهمها ما يأتي:
التاريخ المبكر للبادية
انتشر البدو في أماكن انتشار المراعي في شبه الجزيرة العربية، وينقسمون من حيث الأصل إلى قسمين، الأول: هم بدو جنوب غرب شبه الجزيرة العربية اليمنيين، والثاني: هم بدو شمال الجزيرة العربية، ويطلق عليهم أحفاد إسماعيل، وقد قامت بين أقسام البدو العديد المعارك الدموية والتسابق على اغتنام القوافل التجارية.
وكانت واحات البدو أسواقًا متنقلة للتجارة، وكانت تقع على طرق العرب للتجارة؛ أهمها منطقة الهلال الخصيب، التي كانت تشكل خطوطًا تجاريةً مهمة، كما عُرف البدو بالتنقل والترحال؛ فقد كانوا يهاجرون بحثًا عن المناطق التي تحتوي على الكلأ والماء.
امتازت حياة البدو الأوائل بالمغامرة الكبيرة، فقد كانوا يغزون بعضهم بعضًا لأغراض اقتصادية، وهذا ما يفسر المعارك الدموية بينهم للسيطرة على مراكز الثروة المادية، وفي نفس الوقت تمتعوا بصفة الكرم التي جعلتهم يتميزون عن غيرهم، وعُرفت نساء البادية قديمًا بالتزامهن العفة.
ميثاق القبيلة وديانتها
من أهم ما يميز القبائل البدوية القديمة هو وجود ميثاق للقبيلة، يدعى ميثاق الشرف والدين، يحكمه زعماء القبائل وشيوخها، الذين غالبًا ما كان يتم انتخابهم، وكانت الحياة الدينية في البادية وثنية إلى حين انتشار اليهودية والمسيحية، فقد اعتنقوا كلا الديانتين، في عهد الإمبراطورية الروماني، وعند مجيء الإسلام اعتنقوا الإسلام.
البادية في الحقبة العثمانية
تبنت الدولة العثمانية الرسالة الحضارية الأوروبية في تعاملها مع البدو، وكان هذا بالتزامن مع الحركات الاستعمارية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، واستخدمت هذا الخطاب كسياسة لتحقيق أهداف استراتيجية، وكانت بلدة بئر السبع الفلسطينية الواقعة جنوب فلسطين هي المثال على ذلك، وعزا الباحثون السبب في ذلك إلى فشل الدولة العثمانية في إدارة علاقتها مع البدو الرحل العرب.
لكن خلال القرون الأولى لحكم الدولة العثمانية منحت الأخيرة سكان البادية الكثير من الامتيازات والحقوق التي جعلتهم مستقرين وذلك لإدارة شؤونهم بأنفسهم، كما تساهلت معهم لدمجهم في الدولة العثمانية، وذلك لأنّ الأخيرة كانت تنظر لقبائل البدو نظرة يتخللها الازدراء؛ فكانت بنظرهم قبائل متوحشة.
البادية الأردنية في عهد الدولة العثمانية
أما البادية الأردنية في عهد الإمبراطورية العثمانية، فقد اتسمت إدارة الدولة العثمانية لها بالضعف، ولكنّها اهتمت بطرق الحج التي تمر في الصحراء الأردنية، وبنت العديد من القلاع والقصور المربعة مثل قصر الضبع، وقصر القطرانة وقصر الحسا؛ وذلك لتأمين الحجاج بالمؤن وحمايتهم عند مرورهم بالبادية الأردنية.
البادية في القرن العشرين
في مطلع القرن العشرين، اكتشف الأمريكان والبريطانيون حقول النفط الواقعة في البادية العربية، وكانت العوائد المادية لنفط البادية كبيرة جدًا مما ساهم في زيادة ثروة الدولة العثمانية، ساهم هذا التطور الهائل في تمدن الكثير من سكان البادية، واستطاعوا من خلال توظيف الثروة النفطية إقامة طرق وشبكات مواصلات حديثة جدًا.
بدأت أعداد كبيرة من بدو الشرق الأوسط في ترك الحياة البدوية خاصةً مع نهاية الحكم العثماني، وفي النصف الثاني من القرن العشرين، فرضت العديد من الدول العربية قيود على تحركات البدو؛ مما أدى إلى التخلّي عن جزء كبير من ثقافتهم لغاية الاندماج في الدول الحديثة،وعملت على توطين البدو فيها.
فأصبحوا مواطنين منخرطين في كافة مناحي الحياة الاجتماعية، والثقافية، والسياسية والعسكرية، وفي نهاية القرن العشرين، ومطلع القرن الواحد والعشرين أصبح البدو جزءًا صغيرًا من سكان الدول العربية.
سكن البدو في البوادي العربية منذ القدم، وتتميز حياتهم بالصعوبة، وغالبًا ما ينحدر البدو من عشائر عربية مغرقة في القدم، وكانت الأسرة هي أساس الحياة البدوية، والانتماء الأول بالنسبة لهم.
ومن أهم ما يميز سكان البادية هو الرابطة العصبية التي تجمع بين أفراد القبيلة الواحدة، وحياة البداوة بعيدة جدًا عن الحياة المدنية، ومن الصعب تقسيم العرب حسب قبائلهم؛ نظرًا لكثرتها لكن من الممكن تقسيمهم جغرافيًا.
ويعد الجمل والخيل من أهم الحيوانات بالنسبة لسكّان البدو، ولا يمكن استمرارية العيش بغير الجمل في البوادي؛ وذلك لما يتميز به من قدرته على تحمل ظروف البادية الصعبة، فبإمكانه البقاء لفترة طويلة دون أكل أو شرب، أما الخيل، فكانت رمزًا للفروسية العربية، وكان العرب يفتحرون بخيولهم الرشيقة في البادية.
تقاليد سكان البادية
يتميز أهل البادية بالعديد من التقاليد الاجتماعية والسياسية التي صبغتهم بصبغة خاصة، ومن أهم خصائص المجتمع البدوي وتقاليده:
- الكرم، والشجاعة، والوفاء.
- الصدق، وإكرام الضيف.
- العفو عند المقدرة، والتسامح.
- تَمتَع البدو بقوانين تحكم وتقضي فيما بينهم لفترات طويلة، ويسمى هذا القانون بقانون الدعاوي العشائرية.
- يعرف المجتمع البدوي بأنّه من المجتمعات الأبوية والقَبلية، ويسمى أكبر رجل في القبيلة البدوية برأس القبيلة أو الشيخ، ويعتبر الواجهة ويجب على الجميع احترامه، وتوكل له العديد من المهام والصلاحيات، ويساعده فيها مجلس يتكون من كبار الشخصيات في القبيلة.
- يعرف بتعدد الزوجات.
لم يعش سكان البادية في بيوت ثابتة ومستقرة، إنّما سكنوا في بيوت الشعر البدوية التي تمتاز باختلاف حجمها، لكنّها في الغالب تكون كبيرة يتوسطها عمود، وتتسع لأهل البيت والضيوف، ومن أهم صفات بيوت الشعر البدوية ما يأتي:
- تُعرف بمقاومتها لمختلف الظروف والتغير المناخي.
- ترتبط بالعديد من الأوتاد بهدف ربط خيول أهل البيت والضيوف.
- تنقسم إلى العديد من الأقسام؛ فقسم للنوم، وقسم للضيوف وقسم للمطبخ، والحاجز الذي يفصل بين هذه الأقسام هو جدار من أكياس الذحيرة.
تقع حدود البادية العربية من بداية غرب نهر الفرات في العراق وتتصل بالبادية السورية، وصولًا إلى قرية أبو كمال وتمتد إلى أن تصل إلى حدود منطقة شرقي الأردن وصولًا إلى المملكة العربية السعودية ودول الخليج، وبهذا تظهر المساحة الكبيرة التي تشغلها البادية العربية، وتنقسم البادية العربية إلى خمسة أقسام، وهي:
- الوديان
وهي مناطق واسعة، تشبه الحجرات في طبيعتها الجغرافية.
- الحماد
وتعد صميم البادية العربية، وتمتاز بقلة الموارد المائية، وشح الآبار، واقع في مدينة تدمر.
- الحجرة
وتطلق على مناطق البادية المليئة بالصخور والحجارة، وتمتاز بكونها وعرة.
- الدبدبة
وهي المناطق الواقعة بين الكويت، ووادي السدير، وتمتاز بالأودية، والكثبان الرملية الكثيرة.
- الرحاب
وهي المنطقة الكائنة بين خط العيون والألوية المجاورة لها.
البادية الأردنية
تعتبر البادية الأردنية جزءًا من بادية الشام، وهي تُشكل جزءًا كبيرًا من مساحة الأردن، وتغطي هذه الوحدة الواسعة حوالي ثمانية مليون هكتار أو 90% من مساحة المملكة، وتتصل على امتدادها مع الصحراء العربية عبر الحدود المختلفة مع ثلاثة أقطار عربية؛ سوريا شمالًا، والعراق شرقًا، والمملكة العربية السعودية جنوبًا.
يتميز سكان البادية الأردنية بقدرتهم على التأقلم على الظروف الصعبة، ويشكل البدو منبت من منانبت الأردنيين، وتتميز بالعديد من المميزات، أبرزها ما يأتي:
- الخيام المصنوعة من شعر الماعز الأسود، وهذا ما يُعرف ببيت الشعر.
- أصبح البدو جزء بسيط من سكان الأردن بسبب الاستقرار في المدن الكبرى.
- شكلت ثقافة البادية جزءًا كبيرًا من ثقافة المجتمع الأردني، وذلك من خلال انتشار الكثير من العادات والتقاليد بين الشعب الأردني، على الرغم من الاستقرار في المدن وهجر حياة البادية.
- يمكن اعتبار البادية الأردنية مناطق سياحية؛ فقد شكل وادي رم وجهة سياحية كبيرة، ويعد من أكثر المناطق السياحية في الأردن التي تعبر عن ثقافة البدو.