-

فوائد التأمل للعقل والجسم

فوائد التأمل للعقل والجسم
(اخر تعديل 2024-09-09 08:09:33 )
بواسطة

عند البحث في تاريخ التأمل نجد أنه عمد العالم الغربي بالتركيز على الإنجازات المادية الملموسة، بينما صب الشرق جل اهتمامه وانجازاته على التنمية الروحية الداخلية للإنسان. لذلك نجد أن نشأة التطورات العلمية والتكنولوجية العظيمة خلال الـ 500 عام الماضية كانت في الغرب، بينما كان قوم اليوغي والرويس في الأديرة في آسيا يطورون فنون التأمل الداخلية.

الآن لم يعد التأمل ومهاراته مقتصرة على الشرق بل نجد أن العالم بمختلف اتجاهاته وتياراته بات يجمع على أهمية التأمل وفوائده، ما جعله يمثل نمط حياة للعديد من الأشخاص. بات يظهر هذا الاهتمام بالتأمل نتيجة الحاجة الملحة لدى الإنسان خاصة بالعصر الحالي، للموازنة ما بين حاجته للآلة التكنولوجية الحديثة وما بين حاجته للاتصال بقوته الداخلية. وحاجته لبرمجة جسده، عقله، وقلبه بعيدا عن زيف الآلة.

يعد التأمل علاجًا ملائما لمشاعر الضياع، العزلة، والاغتراب. حتى الأمراض المتعلقة بالاكتئاب والتوتر. هو لا يعمد إلى إيجاد حل للمشكلة بحد ذاتها، إنما يساعدك على تطوير مهارات المرونة، التوازن، والقوة لديك للتغلب على الصدمات والتوصل إلى حلول مبتكرة.

ماذا يعالج التأمل؟

نطرح لكم الآلية التي يستخدمها التأمل في العلاج من خلال توضيح كيفية علاج التأمل للمشاكل التالية:

1. الإدمان:

يعمل الإدمان على تشتيت انتباه الناس عن آلامهم، وتشجيعهم على ترك همومهم وانشغالاتهم المعتادة جانباً. بالإضافة إلى تغيير كيمياء الدماغ، فإن الإدمان يميل أيضًا إلى تركيز العقل على مادة أو نشاط يسبب الإدمان كالمخدرات، الكحول، والجنس. يعمل التأمل على تصويب كل ذلك بدفع المدمن إلى الانفتاح على حقيقة الحياة التي يعيشها و التواصل بشكل أفضل مع ذاته، ما يمكنه من إدراك احتياجاتها. ودفعه لبناء أسلوب حياة أفضل، قادر من خلاله على إدراك مشاكله وكيفية حلها، وليس الهروب منها وتدمير ذاته.

2. التعنت:

يمكنك التأمل من النظر لأي شيء بشكل شمولي يحمل أكثر من زاوية، ذلك من خلال دعوتك لإيجاد إجابات بسيطة للمشكلات المعقدة، وخلق إحساس بالمعنى والانتماء. التعنت والتعصب أو كما تفهم لدى الكثيرين بالحدية توفر بيئة خصبة للغموض والاغتراب مع أن الحياة بظروفها المعقدة لا تحتمل ذلك. لذلك يدفعنا التأمل إلى تجاهل ثنائيات أبيض وأسود، جيد وسيء، نحن وهم. والنظر للعالم بشكل أوسع من ذلك بكثير.

3. الوحدة والعزلة:

الكثير منا يجابه شعوره بالوحدة أو العزلة بالعمل على تشغيل التلفاز أو التوجه للسينما على قناعة بأنه سيقتل الوحدة. وسائل الترفيه هذه لا يمكنها قتل شعورك بالوحدة، بل كل ما تقوم به هو دفعك لتجاهل أسباب وحدتك وعدم التفكير فيها. بينما يدفعك التأمل إلى تركيز انتباهك داخل نفسك، واعطائها الفرصة لمعرفة اسباب ما تشعر به حتى تتمكن من التعامل معه.

4. الجشع:

يخلق التأمل لمن يمارسه البصيرة التي تمكنه من إدراك احتياجات ذاته وتهذيبها. مما يؤدي إلى تلاشي كل رغبة لديه بالجشع وحب الامتلاك، لأنه مع التأمل سيترفع عن كل هذه الرغبات، ويسمو بنفسه لما هو أعظم من ذلك.

بناء على ما سبق نجد بأن العلاج بالتأمل يقوم على دفعك لبرمجة نفسك على العيش بسلام داخلي عن طريق مواجهة مصاعب الحياة بتحقيق الاتزان، السعادة، والوئام. والابتعاد عن القلق والتوتر، وانعدام الرضا في مواجهة تقلبات الحياة. هذا كله لا يحتاج سوى الجلوس بهدوء وموائمة نفسك مع اللحظة الحالية، بذلك تكون مكنت نفسك من الاستجابة للمشاعر الإيجابية، وواجهت مصاعب الحياة بأفضل الطرق.

التأمل يمكنك من خلق استعارة لحياتك، كأن تتخيلها بحر بأمواج عالية بصعود وهبوط مستمر. عندما تمارس التأمل، تغوص تحت السطح في مكان هادئ حيث يكون الماء أكثر هدوءً وثباتًا. مهما كانت الاستعارة المفضلة لديك، فإن النقطة المهمة هي أن التأمل يوفر طريقة لتحويل التوتر والمعاناة إلى رباطة جأش وسهولة.

كيف يغير التأمل الدماغ؟

  • رؤية الأمور من منظور أوسع وأعمق.
  • تعزيز مهارة التركيز لدى الدماغ.
  • القدرة على التمييز ما بين الواقع ومتطلباته والعبرة منها.
  • سلام داخلي لا يتزعزع لا يمكن للظروف الخارجية أن تزعجه.
  • تنمية المشاعر الإيجابية. مثل: الصبر، الحب، اللطف، الاتزان، الفرح، والتعاطف مع معاناة الآخرين.
  • القدرة على التحكم في وظائف الجسم التي تعتبر عادة لا إرادية، مثل معدل ضربات القلب ودرجة حرارة الجسم والنظام الغذائي.
  • القدرة على حشد وتحريك الطاقة الحيوية عبر مراكز وقنوات الجسم المختلفة من أجل الشفاء والتحول الشخصي.
  • خلق قوى نفسية خاصة، مثل الاستبصار (القدرة على إدراك الأمور خارج نطاق الإدراك العادي) والتحريك الذهني (القدرة على تحريك الأشياء عن بعد دون لمسها)
  • يهدف التأمل إلى حث الإنسان على البحث عن التحرر من المعاناة، إما بالانسحاب من العالم إلى واقع أسمى أو من خلال تحقيق رؤى ثاقبة في طبيعة الوجود. ومع ذلك، فإن مهارة التأمل والتي أصبحت متاحة على نطاق واسع في العقود القليلة الماضية، يمكن استخدامها من قبل بقيتنا بطرق عادية يومية لتحقيق بعض الفوائد غير العادية.

    فوائد التأمل للعقل والجسم:

    على الرغم من أن الدراسات العلمية الأولى للتأمل تعود إلى ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، إلا أن البحث في التأثيرات النفسية والجسدية للتأمل بدأت في سبعينيات القرن الماضي، مصحوبًا بزيادة الاهتمام بالتأمل الارتقائي، وتقنيات التأمل الشرقية الأخرى.

    كان مايكل مورفي وهو رائدًا في استكشاف الإمكانات البشرية منذ أن شارك في تأسيس معهد "إيسالان - Esalen" في بيج سور، كاليفورنيا، في عام 1962. بناءً على نتائج الدراسات التي أجراها، توصل مورفي ودونوفان إلى فوائد التأمل للجسم والعقل.

    1. الفوائد الجسدية:

    • انخفاض معدل ضربات القلب أثناء التأمل
    • يخفض ضغط الدم لدى الأفراد متوسطي ارتفاع ضغط الدم
    • يساعد على التعافي بشكل أسرع من التوتر
    • زيادة في إيقاع موجات ألفا (موجات دماغية بطيئة وعالية السعة ترتبط بالاسترخاء)
    • تحسين من تناسق نصفي الدماغ الأيمن والأيسر (الأمر الذي ترتبط بشكل إيجابي بالإبداع)
    • انخفاض مستويات الكوليسترول
    • انخفاض استهلاك الطاقة والحاجة للأكسجين
    • أعمق وأبطأ في التنفس
    • استرخاء العضلات
    • تقليل شدة الألم

    2. الفوائد النفسية:

    • تحقيق المزيد من السعادة وراحة البال
    • التقليل من المشاعر والافكار السلبية الشديدة والتقلبات المزاجية
    • زيادة التعاطف
    • تعزيز الإبداع وتحقيق الذات
    • زيادة الوضوح والحساسية الإدراكية
    • انخفاض الشعور بالقلق الحاد والمزمن
    • مكمل للعلاج النفسي ومناهج أخرى في علاج الإدمان

    لست مضطرًا للانضمام إلى فرقة ما أو أن تُعمَّد مثلًا للاستمتاع بفوائد التأمل. ولست مضطرًا إلى الخروج من حياتك اليومية والهروب إلى دير في جبال الهيمالايا. تحتاج ببساطة إلى ممارسة التأمل بانتظام دون محاولة الوصول إلى أي مكان أو تحقيق أي شيء. مثل الفائدة في حساب سوق المال، فإن الفوائد تتراكم من تلقاء نفسها.

    ماذا يحدث بعد التأمل؟

    1. تكون واعيًا للحظة الحالية

    عندما ينصب تفكيرك على عقبات ما هو قادم، واندفاعك الدائم تجاه المستقبل وتستغرق الحاضر في التفكير بكل ما يحمله. أنت بذلك تفتقد جمال الحاضر الآني الذي يتجلى باستمرار أمام عينيك. يعلمك التأمل أن تعيش كل لحظة من عمرك بحق، وأن تأخذ كل لحظة كما تأتي من: أصوات، حركة المرور، رائحة الملابس الجديدة، ضحك الأطفال، النظرة القلقة على وجه امرأة عجوز، وظهور أنفاسك وذهابها. في الواقع، كما تذكرنا التقاليد التأملية، فقط اللحظة الحالية موجودة على أي حال - الماضي مجرد ذكرى والمستقبل خيال، يتم عرضه على شاشة فيلم العقل في الوقت الحالي.

    2. تكوين صداقات مع نفسك

    انشغالك الدائم بتصرفات وتوقعات من حولك عنك، وتسابقك لوضع نفسك في بيئة تنافسية. هذا لن يمكنك من التعرف على نفسك بالطريقة التي أنت عليها. من الممكن أن يكون التنافس والمقارنة من الدوافع التي تعمل على تحسين الذات، ولكن تأكد أن ذلك سيكون مؤلما وعلى حساب أمور أخرى كخلق حالة نفسية متردية مليئة بالمشاعر السلبية، منها: الخوف، الغضب، الاكتئاب، العزلة، ويمنعانك من الارتقاء إلى مستوى إمكاناتك الكاملة.

    التأمل يعلمك تعلم الترحيب بكل تجربة وجانب من جوانب وجودك دون حكم أو إنكار. في هذه العملية، تبدأ في معاملة نفسك كما تفعل مع صديق مقرب، وتقبل (بل وتحب) الحزمة بأكملها، ونقاط الضعف والعيوب الظاهرة، فضلاً عن الصفات الإيجابية ونقاط القوة.

    3. التواصل بشكل أعمق مع الآخرين

    عندما يكون لديك وعي حول ذاتك واحتياجاتها هذا سيدفعك لفتح قلبك وعقلك لتجربتك الخاصة، وهذا بالضرورة سينعكس على توسيع هذا الانفتاح الواعي إلى علاقاتك مع العائلة والأصدقاء. ما يدفعك إلى قبول الآخرين كما هم، الأمر الذي سيكسر أي حاجز أمام التواصل الحقيقي معهم. هذا كله يمكن تنميته من خلال ممارسة التأمل، الذي يفتح السبل لحب أعمق بينك وبين من حولك.

    4. تهدئة الجسد والعقل

    اكتشف الباحثون المعاصرون أن العقل والجسد لا ينفصلان، والعقل المتوتر حتمًا ينتج جسدًا مرهقًا. عندما يستقر العقل ويسترخي وينفتح أثناء التأمل، فكذلك يفعل الجسم وكلما طالت مدة التأمل (تقاس بالدقائق المسجلة كل يوم وفي أيام وأسابيع الممارسة المنتظمة)، كلما زاد هذا الهدوء والاسترخاء في كل مكان في حياتك، بما في ذلك صحتك.

    5. إيجاد الحلول البناءة

    التفكير المستمر والقلق لا يولدان إلا الخوف، وتكون بذلك حياتك مليئة بالمشاكل التي تتراكم، وتتغذى على بعضها البعض ما يؤدي بالنتيجة لتضخمها. هذا كله لا يولد سوى الشعور بالإرهاق والذعر. يدفعك التأمل للنظر للصعوبات والمخاوف بأنها آنية وغير مستمرة، ويمكن أن تظهر الحلول البناءة بشكل طبيعي.

    6. الاستمتاع بمزيد من السعادة

    الممارسة اليومية للتأمل لبضعة أشهر فقط كفيلة أن تجعل الناس أكثر سعادة، يتم قياس ذلك من خلال ردود أفعالك حول ما يحدث حولك. في الواقع، يبدو أن التأمل هو الشيء الوحيد الذي يمكن أن يغير بشكل دائم انفعالاتك العاطفية ومنها الشعور بالسعادة، لذلك إذا كنت تريد سعادة دائمة، فإن العلم الرائد والحكمة الروحية لديها نفس النصيحة التي تقدمها: انسى الفوز في اليانصيب أو الحصول على الوظيفة المثالية، وابدأ التأمل بدلاً من ذلك.

    7. تعايش تجربة التركيز وانسيابية التفكير

    عندما تكون مندمجًا بشكلٍ كليٍ في نشاط تذوب فيه كل أحاسيس الوعي بالذات والانفصال، تكون قد دخلت إلى ما يسميه عالم النفس "ميهالي تشيكسينتميهالي" حالة "الانسيابية في التفكير. بالنسبة للبشر يشكل هذا الانغماس الكامل المتعة المطلقة، ويوفر العلاج النهائي للتشتت والشعور بالغربة. لا بد أنك مررت بلحظات مثل الاهتمام بالفن، لعب الرياضة، العمل في الحديقة، وممارسة الحب مما يسميها الباحثون "منطقتك الخاصة". من خلال التأمل يمكنك تعلم كيفية إعطاء نفس الاهتمام لكل نشاط والحصول على نفس المتعة منه.

    8. تشعر بمزيد من التركيز والاستقرار والتوازن

    لمواجهة تصاعد انعدام الأمن في الحياة في الأوقات المتغيرة بسرعة، يوفر التأمل أمانًا داخليًا وتوازنًا لا يمكن للظروف الخارجية تدميره. عندما تتدرب على العودة مرارًا وتكرارًا لجسدك وأنفاسك وأحاسيسك ومشاعرك ستدرك أنك دائمًا في أمانٍ واستقرار، بغض النظر عن المكان الذي تذهب إليه. وعندما تصنع صداقات مع نفسك تتقلب الجوانب المظلمة والضعف والقوة. لن تشعر بعدم الاستقرار مهما كانت الصعوبات في الحياة.

    9. كي تحسن أدائك

    ممارسة مهارات التأمل الأساسية وحدها يمكن أن تعزز الوضوح الإدراكي والإبداع، تحقيق الذات، والعديد من العوامل الأخرى التي تساهم في الأداء المتفوق. بالإضافة إلى ذلك، تم تصميم تأملات محددة لتحسين الأداء في مجموعة متنوعة من الأنشطة، من الرياضة إلى العمل المدرسي.

    10. زيادة التقدير والامتنان والمحبة

    عندما تبدأ في الانفتاح على تجربتك دون حكم أو نفور، ينفتح قلبك تدريجيًا أيضًا على نفسك والآخرين. يمكنك ممارسة تأملات محددة لتنمية التقدير والامتنان والحب. أو قد تجد كما فعل الكثير من المتأملين أمامك، أن هذه الصفات تنشأ بشكل طبيعي عندما يمكنك النظر إلى العالم بعيون جديدة، خالية من التوقعات المعتادة.

    11. الوصول إلى إيمان راسخ بالهدف

    عندما تتدرب على التحول من حالة الفعل والتفكير إلى حالة الوجود، تكتشف كيفية دمج نفسك مع تيار أعمق من المعنى والانتماء. قد تتواصل مع المشاعر والتطلعات الشخصية التي ظلت مخفية لفترة طويلة عن وعيك. أو يمكنك الاتصال بمصدر أكثر شمولية للغرض والتوجيه، وهو ما يسميه بعض الناس التوجيه الذاتي الأعلى أو التوجيه الداخلي.
    العميل الحلقة 12

    12. تستيقظ على البعد الروحي للوجود

    باعتبار أن التأمل سيفتح ذهنك تدريجيًا على آفاق في كل لحظة لا يمكن الاستغناء عنها، فقد تبدأ بشكل طبيعي رؤية المعنى الحقيقي للواقع والأشياء من حولك بمعدل عن حجاب المظاهر. وقد تدرك في النهاية (وهذه اللحظة يمكن أن تستغرق حتى تصل إليها حياة كاملة!) أن نفس الحقيقة المقدسة هي في الواقع من أنت في جوهر حقيقتك.

    هذه البصيرة العميقة وما يسميه الحكماء والمعلمون "الاستيقاظ من وهم الانفصال" يخترق ويقضي في النهاية على الوحدة والاغتراب، ويفتح ذهنك على جمال الحالة الإنسانية.

    حمل تطبيق حاكيني للصحة النفسية للحصول على تمارين نوعية في التأمل، الاسترخاء واليقظة الذهنية.