الاحتراق الوظيفي – أسباب وعلاج والفرق بينه وبين
يُشير الاحتراق الوظيفي إلى حالة من الإرهاق الجسدي والعاطفي المزمن، وعادة ما تنتج عن التعرّض لفترات طويلة للضغوط المترتبة عن الوظيفة، ويشعر أصحابه باستنزاف العمل لهم وانفصالهم العاطفي عنه، من بين علامات أخرى. ويمكن أن يؤثّر الاحتراق الوظيفي على الأشخاص العاملين في مختلف الوظائف والمهن، كما يمكن أن يكون له آثار سلبية على صحتهم النفسية وأدائهم الوظيفي بشكل عام. لكن بطلب المشورة من أخصائي مؤهّل في الصحة النفسية، يُمكن الحدّ من الاحتراق الوظيفي أو تجنّبه إذا شعر المرء أنه يعاني من أعراضه.
ماهو الاحتراق الوظيفي؟
يُعرّف الاحتراق الوظيفي على أنه "متلازمة الإرهاق العاطفي، وفقدان الشغف، والشعور بهبوط في المعنويات، بشكل يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية في العمل". وبالرغم من تشخيص الاحتراق الوظيفي في بداياته فقط عند من يعملون في المهن "المساعدة"، على غرار الطبّ، والتمريض، والخدمات الاجتماعية، سرعان ما أصبح مُتعلقًا بمهن أخرى، ولحسن الحظ، أصبح أكثر شهرة، بل وقد أصبح بمقدور بعض التقنيات الحديثة الآن مساعدة الأشخاص، بفضل كشف الأماكن أو البيئات التي قد يتعرضون فيها لخطر الاحتراق الوظيفي، أو معرفة إن كانوا يُظهرون أعراض الاحتراق الوظيفي، إضافة إلى إسداء نصائح حول كيفية منعه أو الحدّ منه.
القضاء مدبلج 3 الحلقة 71
وقد حدّد الأخصائيون خمسة درجات أو مراحل للاحتراق الوظيفي، مُشدّدين على عدم تجاوز المرحلة الأولى، لتجنّب التعرّض إلى الأضرار المترتبة عن الاحتراق الوظيفي. هذه المراحل تباعًا هي كالتالي:
هذه المرحلة هي ذات صلة خاصة بتولّي مُسمّى وظيفي جديد أو القيام بمهام جديدة في نطاق العمل. في هذه المرحلة، لا توجد علامات على الاحتراق الوظيفي إطلاقًا، بل على العكس من ذلك، يكون الشخص مليئًا بالحماس والالتزام تجاه وظيفته، ويكون مُنتجًا ومُنفتحًا لتولّي كل مهمة واغتنام كل فرصة ممكنة للقيام بأفضل ما يمكن. كذلك يشعر المرء بالإبداع والتفاؤل والطاقة والتحدّي، بشكل قد يدفعه لأخذ أكثر مما ينبغي على عاتقه. يتمثّل وجه الخطر في مرحلة شهر العسل في أنه إذا لم يتم تبني استراتيجيات الاسترخاء وأخذ قسط من الراحة بانتظام، فقد تؤدي بسرعة إلى الانتقال إلى المرحلة التالية.
تبدأ هذه المرحلة عندما تصبح بعض الأيام أكثر إرهاقًا من غيرها تدريجيًا، وعندما يفتقر المرء إلى الوقت لتلبية احتياجاته الشخصية، ويُصبح منشغلًا عن الأسرة والأصدقاء أكثر فأكثر، كما قد تبدأ بعض العلامات المبكّرة للتوتر في الظهور، كعدم القدرة على التركيز، والصُداع، والقلق، وتغيّر الشهيّة، وحتى ارتفاع ضغط الدم، على سبيل المثال لا الحصر.
قد يقود التعرض المتكرر لمستويات عالية من التوتّر إلى مرحلة التوتّر المزمن. نتيجة لذلك، تنخفض مهارات حلّ المشكلات أكثر فأكثر، وفي هذه المرحلة، يظهر الشعور بفقدان السيطرة والقوة. قد يشعر المرء أن جهوده لا تُسفر عن نتائج، وقد يضطرّ، لتجنّب مواجهة ضغط المهام، إلى المماطلة. كذلك قد لا يتلقى الشخص الثناء أو الاعتراف بإنجازاته، مما قد ينجرّ عنه شعوره بانعدام الكفاءة والفشل. ويؤثّر الإجهاد المزمن على الصحة العقلية والجسدية، ويزيد من حدة الأعراض الموضحة في المرحلة الثانية، حيث قد يجد المرء نفسه يمرض بشكل متكرر وأكثر، وحتى الأشياء الصغيرة قد تجعله عدوانيًا أو مستاءًا أو حزينًا. وقد ينكر المرء هذه المشاكل وينأى بنفسه عن زملائه وعن الحياة الاجتماعية، وفي حالات قصوى، قد يلجأ بعض الأشخاص إلى الكحول أو المخدرات للهروب من الأفكار السلبية.
هذه المرحلة هي الاحتراق الوظيفي نفسه. يمكن أن يؤدي السهو عن علاج المراحل/الأعراض السابقة في الوقت المناسب إلى مستويات استنفاد حرجة، تجعل من الصعب على المرء التعامل مع متطلبات العمل. قد يؤدي الشعور المستمر بالفشل والعجز في النهاية إلى اليأس وخيبة الأمل، فيصبح الشخص غير مبال بوظيفته. وقد تكثر الأعراض الجسدية وتزداد حدتها، وبصرف النظر عن الإرهاق المستمر والمشاكل الهضمية المستمرة والصُداع المزمن، فقد تحصل أيضًا تغيرات سلوكيّة كسرعة الغضب.
يحدث هذا عندما لا يتمكّن الشخص من التعافي من الإرهاق وتصبح الحالة والأعراض جزءًا من نمط حياته، حيث تُصبح المحاولات لإعادة النفس إلى طبيعتها أكثر صعوبة مما كانت عليه في أي وقت مضى. بصرف النظر عن تأثير الاحتراق الوظيفي على الحياة المهنية، فقد ينعكس أيضًا على العديد من جوانب الحياة، بما في ذلك العلاقات الشخصية. قد يفقد المرء الشغف والرغبة في فعل أي شيء، ويشعر دائمًا بالحزن والاكتئاب. في هذه المرحلة، تشتدّ الحاجة إلى مساعدة مهنية من طرف طبيب نفسي، للتغلّب على أعراض الاحتراق الوظيفي.
أسباب الاحتراق الوظيفي
يمكن أن يكون للإرهاق الوظيفي أسباب مختلفة، وغالبًا ما يكون مزيجًا من عدة عوامل. فيما يلي بعض الأسباب الشائعة وراء الاحتراق الوظيفي:
وتجدر ملاحظة أن هذه العوامل لا تأتي دومًا فُرادى، بل يمكن أن تتفاعل وتؤثر على بعضها البعض، مما يؤدي إلى تراكم الاحتراق الوظيفي. بالإضافة إلى ذلك، فإن السمات الشخصية، مثل السعي إلى الكمال، والمستويات العالية من التوقعات الذاتية، والميل إلى إعطاء الأولوية للعمل على الرفاهية الشخصية، يمكن أن تجعل الأفراد أكثر عرضة للاحتراق الوظيفي.
الفرق بين الاحتراق النفسي والاحتراق الوظيفي
غالبًا ما يُستخدم مصطلحي "الاحتراق النفسي" و "الاحتراق الوظيفي" دون تفرقة، ولكن يمكن أن يكون لهما دلالات مختلفة قليلاً. فيما يلي تفصيل للاختلاف:
يُشير الاحتراق النفسي إلى حالة من الإرهاق المزمن والضيق الذي يحدث عندما يواجه الشخص ضغوطًا مختلفة في حياته. إنه مفهوم أوسع، يشمل الاحتراق الوظيفي والاحتراق في مجالات مختلفة أخرى، بما في ذلك العمل والحياة الشخصية والعلاقات وغيرها. يعكس الاحتراق النفسي حالة أكثر شمولاً من الاستنزاف العاطفي والجسدي، وفقدان الشغف، وهبوط المعنويات، على أصعدة متعددة. مُهمّ ذكر أن "الاحتراق" ليس تشخيصًا طبيًا.
والاحتراق الوظيفي هو نوع خاص من الإجهاد المرتبط بالعمل، أي حالة من الإرهاق الجسدي أو العاطفي الذي ينطوي أيضًا على إحساس بانخفاض الإنتاجية وفقدان الهوية الشخصية. يُركّز الاحتراق الوظيفي بشكل خاص على تجربة الإرهاق المُزمن في مجال العمل. كما يُشير إلى الإجهاد النفسي والجسدي الذي ينشأ من التعرض لفترات طويلة للضغوط المرتبطة بالعمل، مثل عبء العمل المفرط، وفقدان السيطرة، والافتقار إلى الدعم كما ذُكر أعلاه.
في الأساس، يشمل الاحتراق النفسي الاحتراق الوظيفي من بين مجالات الحياة المختلفة، بينما يرتبط الاحتراق الوظيفي على وجه التحديد بأعراض الاحتراق النفسي المتعلقة ببيئة العمل. باختصار، الاحتراق الوظيفي هو فئة فرعية من الاحتراق النفسي، مما يُسلّط الضوء على تأثير العوامل المتعلقة بالعمل على رفاهية الفرد وأدائه.
ومن المهمّ أن نلاحظ أنه في حين قد يكون لدى مصطلحي "الاحتراق النفسي" و "الاحتراق الوظيفي" تعاريف مختلفة قليلاً، فإن كلاهما يُشير إلى نفس المفهوم الأساسي للإرهاق المزمن، والضيق، والفعالية المنخفضة الناتجة عن التعرض الطويل للضغوط.
علاج الاحتراق الوظيفي
يتطلّب علاج الاحتراق الوظيفي نهجًا متعدد الأوجه يعالج كلاً من رفاهية الشخص والبيئة التي يزاول فيها عمله. وفيما يلي بعض الاستراتيجيات التي يمكن أن تساعد في التعافي من الاحتراق الوظيفي:
وتذكّر أن التعافي من الاحتراق الوظيفي يستغرق وقتًا، وضروري جدًا أن تتحلّى بالصبر والرحمة مع نفسك طيلة هذه الرحلة. ضع تركيزك على بناء توازن صحي بين العمل والحياة الشخصية، وإعطاء الأولوية لرفاهيتك لمنع الاحتراق الوظيفي في المستقبل.