انتحار الأطفال و المراهقين
("انتحر حمزة، 14 عاما، طفل فلسطيني من غزة، بإلقاء نفسه من الطابق الثامن في مبنى الليلة الماضية. أوضحت عمته، التي دمرها موته، للصحافة الفلسطينية أن حمزة فقد أفراد عائلته تباعا في كل عدوان اسرائيلي على قطاع غزة، بدءا من عام 2009. حيث توفي شقيقه الصغير في قصف أمام عينيه بينما كانا يلعبان كرة القدم في الخارج، وخلال مذبحة عام 2012 ، قتل شقيقه الأكبر، تلاه والده خلال مذبحة عام 2014.
بسبب الصدمة، أصبح حمزة أقرب إلى والدته، آخر أفراد عائلته. "لقد أصبحا لا ينفصلان، أمضى أيامه مع والدته، وينام بجانب والدته، كانت والدته فقط القادرة على جعله يبتسم "توضح عمته. "لكن يوم الجمعة الماضي، عندما استؤنف القصف الإسرائيلي، بدأ حمزة بالذعر، وشعر أن والدته ستموت، بكى كل الدموع في جسده. مع كل قصف كان يصرخ بكل قوته، وفي اليوم التالي، والدته قتلت.")
القضاء مدبلج 3 الحلقة 71
انتشر هذا الخبر مؤخرا على وسائل التواصل الاجتماعي، وبعد التحقق منه تبين أنه خبر ليس بالجديد بل حدث في العام الماضي، ولكن ولأهمية الموضوع وحساسيته، فسنتحدث اليوم عنه، خاصة وأنه اليوم العالمي للانتحار، علّنا نضيء شمعة في الظلام الذي يكتنف هذه المساحة بسبب سكوت المجتمع عنه ومحاولتهم إخفاءه والتصرف وكأنه غير موجود، خاصة أنه الموت الوحيد الذي يمكن منعه.
في حادثة أخرى، تقدمت طالبة في إحدى المدن الفلسطينية لامتحان الثانوية العامة، فلم يحالفها الحظ ورسبت في إحدى المواد، لكنها أعادت المحاولة وتقدمت لامتحان الإكمال أملا بالنجاح، فرسبت مرة ثانية، مما دفعها للإقدام على الانتحار. بعث شاب رسالة لجميع أصدقائه، صارحهم فيها بيأسه وعزمه على قتل نفسه، لم يتلقَّ ردّا واحدا، إذ اعتقد الجميع أنّها مزحة، لكن رحيله أثبت لجميع من حوله، أنّها لم تكن كذلك.
نشرت دراسة في عام 2017 لعيطاني وآخرين، وبحثت التفكير في الانتحار بين الطلاب من عمر 13 إلى 15 عاما والذين شاركوا في الدراسة الاستقصائية القائمة على الصحة المدرسية GSHS) في قطاع غزة والضفة الغربية). وجدت تلك الدراسة أن معدل الانتشار العام للتفكير الانتحاري و / أو التخطيط للانتحار كان 25.6٪ . وكان الذكور أكثر من الإناث إبلاغا عن التفكير الانتحاري. وكان انتشار التفكير في الانتحار أعلى من المعدلات في غيرها من البلدان المشاركة، وأكدت الدراسة على الحاجة إلى تحسين الوصول إلى خدمات الصحة النفسية.
في دراسة تم جمع بياناتها في مصر شملت 1621 مراهقا في المدرا س الثانوية، أظهرت أن 30% منهم قد عانوا من رغبة قوية في الموت في العام السابق للدراسة. وفي لبنان أظهر 28.9% من طلاب المدراس في مختلف المحافظات، تفكيرا انتحاريا. وفي دراسة مغربية لتقييم الجوانب الوبائية لمحاولات الانتحار بين الأطفال، تم تحديد 66 محاولة، معظمهم من الإناث اللواتي متوسط أعمارهن 13 عامًا.أما في دراسة تم عملها في قسم الطوارئ من مستشفى في دبي، فقد أظهرت نتائجها أن الانتحار كان هو النية الأكثر شيوعا بين القادمين إلى القسم بسبب التسمم.
مخاطر الانتحار بين الاطفال:
على الرغم من ندرته الإحصائية، إلا أن الانتحار بين الأطفال قد يحدث قبل سن البلوغ. لذا من المهم عدم التقليل من فهم الأطفال لمعنى الانتحار، ولا الاستخفاف باحتمال أن ينخرطوا في سلوك انتحاري.
- في سن التاسعة ، عادة ما يكون لدى الأطفال فهم شامل للانتحار.
- كلما كان الطفل أصغر سنًا، كانت الطريقة أقل تعقيدًا وأكثر توفرًا.
- غالبًا ما يرتبط الانتحار بين الأطفال بالنزاع بين الوالدين والطفل.
- عند تقييم مخاطر الانتحار لدى الأطفال قبل سن البلوغ، على الأخصائي أن يجعل اللغة مناسبة مع مستوى الطفل والأسئلة محددة، وأن يبحث عن المعلومات الجانبية ويستخدمها كجزء من تقييمه ويستخدم مزيجا من الأسئلة والتأملات المتعاطفة.
كالأسئلة التالية:
علينا عندما نسأل تلك الأسئلة أن نضع في اعتبارنا التطور المعرفي للأطفال، والمهارات اللفظية، مفاهيم الزمن والموت والانتحار بالنسبة له، والسببية.
مخاطر الانتحار بين المراهقين:
إن المراهقة هي مرحلة متميزة بالاندفاعية والمشاعر المكثفة والبحث عن الهوية، لذا تميل عوامل الخطر المعروفة جيدًا للانتحار إلى أن تكون أكثر شيوعًا خلال هذه الفترة، بما في ذلك على سبيل المثال الاكتئاب والقلق الشديد، كما يزداد في سن المراهقة استخدام المخدرات والذي بدوره يرجح كفة عوامل الخطر. بالإضافة إلى أن بعض الضغوطات الاجتماعية تتفاقم في تلك الفترة مثل فسخ العلاقات العاطفية والتحديات التعليمية وضغط الأبوين.
علينا اتباع استراتيجيات الوقاية التي تراعي السياقات المختلفة لحياة المراهقين (العائلات، الزملاء، المدرسة)، والتي تعكس مسارات متنوعة ثقافيًا للنمو والمرونة، كالاعتراف بأهمية انتماء الأصدقاء وقبولهم، ودعم وزيادة الاستقلالية في سياق العلاقات العاطفية، وتعزيز النشاطات.
كما تعتبر مناهج حل المشكلات بين هذه الفئة العمرية من الاستراتيجيات الرئيسية التي يجب وضعها في الاعتبار وخلق الفرص للشباب. بالإضافة إلى أن السعي وراء المعنى يمكن أن يساعد الشخص على التغلب على الألم والمعاناة، عندما نجد الأمل، نميل أقل إلى الانتحار. إن الأمل عامل وقائي رئيسي ضد السلوك الانتحاري، وهو محفز لعملية التعافي.
إن سلوك إيذاء النفس غير الانتحاري عند المراهقين هو مؤشر قوي على محاولات الانتحار في المستقبل.
كما علينا الانتباه إلى إشارات التحذير بين المراهقين والتي قد تشمل:
- التحدث عن الانتحار أو التخطيط له.
- التعبير عن اليأس من المستقبل.
- الشعور بألم أو ضيق عاطفي شديد.
- إظهار إشارات سلوكية مقلقة أو تغييرات ملحوظة في السلوك، لا سيما في ظل وجود علامات التحذير أعلاه، يشمل ذلك على وجه التحديد:
بشكل عام، مع تصاعد نية الانتحار وشدة الأعراض، تزداد مخاطر الإقدام على السلوك الانتحاري المحتمل. المراهقون الذين لديهم عدد من عوامل الخطر (على سبيل المثال الاكتئاب وتعاطي المواد المخدرة) والذين لديهم تاريخ سابق في السلوك الانتحاري والإبلاغ عن وجود أفكار حالية ومحددة عن الانتحار ينبغي النظر إليها كمخاطر عالية.
من خلال البحث والأدلة الأولية، يقترح أن العوامل التالية قد تعمل على حماية المراهقين: مهارات التأقلم وحل المشكلات والخبرة مع النجاح ومشاعر الفاعلية، الإحساس القوي بالانتماء والاتصال، الدعم الاجتماعي، العلاقات الشخصية والكفاءة، الدفء الأسري، الدعم والقبول، النجاح في المدرسة، مناخ المدرسة الداعم، والسياسات والممارسات المدرسية لمكافحة التحرش، والهوية الثقافية القوية، والتمتع بتقرير المصير والعدالة الاجتماعية.
تنبيهات رئيسية جديرة بالملاحظة:
في سياسة الصحة النفسية للأطفال والمراهقين بشأن منع الانتحار والتدخل وما بعد الانتحار، يعدّ بناء تحالف علاجي قوي من أهم مكونات العمل العلاجي مع المراهقين ذوي التفكير الانتحاري. والمقصود بذلك هو موقف يتسم بالدفء والثقة والتعاطف والرعاية ويعمل على غرس الأمل.
إن تطوير علاقة تعاطفية من خلال الاعتراف صراحة بمستوى الألم واليأس الذي يمر به أولئك المراهقون الذين غالبًا ما يتركون العلاج قبل الأوان أو لا يتبعونه، هو مفتاح تطوير تحالف قوي.