هل الصيام يقلل التوتر والقلق؟ إجابة وافية
مع بداية شهر رمضان كل عام يبدأ الكثير في البحث والسؤال عن فوائد الصيام المتعددة، ومن بين أشهر الأسئلة التي يتم البحث عنها هي "هل الصيام يقلل التوتر؟" هل للصيام فائدة من الناحية النفسية على الفرد بأي شكل؟
هل يمكن أن يربينا شهر رمضان والصيام به بالفعل ويقوم سلوكياتنا التي لا نحبها؟ هل يمكن أن يخلصنا من التوتر والعصبية الزائدة والشعور بالضيق الذي قد يلازمنا بسبب ضغوطات الحياة اليومية في كافة المجالات؟
اليوم نقدم لك دليلاً شاملاً عن فوائد الصيام على الناحية النفسية للفرد بالاستناد إلى أحدث المقالات والأبحاث العلمية العالمية، كما ننقل لك بعض التجارب الشخصية التي أحرز أصحابها تقدمًا ملحوظًا في تقليل التوتر والعصبية من خلال الصيام، لعلها تشجعك قبل بدء الشهر الكريم.
الاسترخاء والروحانيات في رمضان
شهر رمضان شهر الصوم الذي يعلم الإنسان كيف يتحكم بشهواته وغرائزه بصورة أساسية، فها هو الطعام أمامك ولا تستجيب لرائحته الشهية إلا عند الموعد الذي حدده الله لك ما بين أذان المغرب وأذان الفجر.
كما أن شهر رمضان هو شهر روحانيات إيمانية تساعد الإنسان على الاقتراب من الله وتعزيز الصلة بالله من خلال الفرائض وقراءة القرآن والإحسان إلى خلق الله من خلال المعاملة الطيبة وبر الأقارب والأصدقاء.
لكن هل يا ترى هذا ما يحدث فعلاً، وهل تتحسن معاملاتنا -وأولاها معاملتنا لأنفسنا وأهلنا- في شهر رمضان أم تزداد الانفعالات، والحدة والمشاكل والتوتر؟ ويكون التبرير بالنهاية أن كل هذا بسبب الصيام.
التوتر في شهر رمضان
إن سألت ربات البيوت عن أكثر ما يُخشي في شهر رمضان، فالغالبية لن تُجيبك بالتعب أو الإرهاق الذي يلازمهن طوال الشهر، ولكن التوتر الذي قد يصيب الزوج هو أكبر هموم أغلبهن، حيث يتسبب في تكدير الجو العام للمنزل.
ولو سألت موظفي المصالح الحكومية عن سبب ارتفاع الأصوات وعن أي مشكلة تحدث، سيجيبك عدد منهم دون تردد بأن السبب هو أن "الناس صايمة".
حتى أنت عزيزي القارئ قد تبرر بعض أفعالك التي تتميز بالحدة والعصبية الزائدة بأنك صائم.
فهل هناك بالفعل ارتباط بين الصيام والتوتر؟ أم أنه ما فعلناه بأنفسنا ثم ألقينا المسؤولية على فرض الله الذي فرضه أساسًا من أجل تهذيب النفس وتقويمها شأنه شأن باقي العبادات.
بالفعل لا علاقة للصوم بالتوتر أو لنَقُل بشكل أدق إن الصيام يمكن أن يتم بشكل صحيح دون بعض الأخطاء التي نرتكبها والتي سنذكرها في نهاية المقال، ويمكن أن يعمل على تقليل حدة التوتر وعلاج الكثير من المشاكل النفسية التي تصيب الإنسان.
لذا وإن كان هناك تأثير إيجابي للصوم على التوتر فكيف هذا وما هي أسبابه؟
تأثير الصيام على الحالة المزاجية للفرد
على عكس ما نشيعه نحن بأن الصيام يتسبب في ضيق النفس والعصبية ويؤثر سلبًا على الحالة المزاجية للفرد فإن العلم الحديث يدحض كل تلك الافتراءات.
ولعل الورقة البحثية التي تم نشرها في مجلة Nutritional Biochemistry تثبت ذلك، حيث أكدت نتائج ذلك البحث بأن الصيام يزيد من قدرة الجسم على إنتاج العديد من الخلايا العصبية بجسم الإنسان، وبالتالي زيادة بروتين BDNF الذي يؤثر إيجابيًا على قدرة المخ على التعامل مع التغيير وبالتالي تعزيز قدرته على التعامل مع وضع الصيام والامتناع عن الطعام والشراب لفترات طويلة.
كما أثبتت الدراسة العديد من الأدوار الفعالة لبروتين BDNF حيث وجدت أن له القدرة على إنتاج الكثير من خلايا المخ وقدرته على حماية الخلايا المناعية لجسم الإنسان، بالإضافة إلى قدرته على تقوية الذاكرة وتحسين الحالة المزاجية والقدرة على التعامل مع التغيرات المفاجئة وتقليل التوتر.
ولعلك تقول هنا أن تلك الدراسة تثبت فاعلية بروتين BDNF في القيام بالعديد من الوظائف الحيوية للدماغ مثل تنشيط الذاكرة وغيرها كما ذكرنا، لكن وبشكل مباشر هل لها علاقة أكيدة بتقليل التوتر؟
هل الصيام يقلل التوتر؟
على الرغم من ضرورة الاعتقاد بأن الله لن يَفرض على الإنسان أمرًا يمكن أن يشكل أذى على صحته النفسية، إلا أننا سنعزز إجابتنا تلك المرة أيضًا بالأوراق العلمية المنشورة.
في ورقة بحثية نشرها البروفيسور روني تري -الطبيب النفسي ورئيس جامعة جادجاه مدى الإندونيسية- كان الهدف منها دراسة العلاقة بين الصيام والتوتر، أكد في نتائجها أن الصيام له قدرة فعالة على تقليل التوتر بشكل ملحوظ
حيث أكد أن تقليل كمية الطعام وتناوله بانتظام في أوقات محددة له الآثار الإيجابية على ضبط الانفعالات العصبية وتحسين الحالة المزاجية والنفسية للفرد.
وأكدت الدراسة أن تقليل الكمية التي يتناولها الفرد من الكربوهيدرات والدهون على مدار اليوم، لها قدرة فعالة على:
العميل الحلقة 11
وهنا سننتقل بالحديث بشكل أدق عن العلاقة بين تقليل كمية الأكل وتناوله في أوقات منتظمة بتقليل التوتر.
ما علاقة تنظيم الأكل بالتوتر؟
في البداية عليك أن تفهم كيف يمكن للجسم أن يشعر بالتوتر والإجهاد الذي يؤثر على حالته المزاجية ومن ثم يسبب الشعور بالقلق والتوتر وربما الاكتئاب.
ببساطة، يساعد تناول الطعام في أوقات منتظمة في رمضان على تنظيم مستوى هرمون الكورتيزول الذي تنتجه العدة الكظرية في الدم، ويُعد هذا الهرمون المسؤول الأول على تحديد استجابة الجسم للإرهاق والتعب والشعور بالتوتر.
لذا وبشكل منطقي فإن ضبط مستوى هرمون الكوريتزول يقلل من الشعور بالتوتر والقلق.
وهو ما يحدث في جسم الإنسان بشكل تدريجي عند الصيام لمدة ثلاثين يومًا متصلة كما يحدث في شهر رمضان، لكن هل هذا التفسير الوحيد أم هناك أبحاث أخرى تؤكد ما نقوله؟
دراسات تؤكد فاعلية الصيام في التخلص من الكثير من حدة المشاكل والاضطرابات النفسية
أثبتت الكثير من الدراسات الحديثة قدرة الصيام على تقليل التوتر والاضطرابات النفسية بشكل عام، كما أكدت على الدور الفعال الإيجابي الذي يقوم به في معالجة طريقة الفرد في التعامل مع المشاكل والأزمات الحياتية اليومية، ومن الدراسات المتعددة نذكر التالي:
الدراسة الاولي:
في عام 2016 تم نشر دراسة بحثية في المجلة الدولية للأبحاث والمراجعات الطبية، هدفها هو البحث عن تأثير الصيام على الشعور بالتوتر والاضطرابات المزاجية والنفسية.
تمت الدراسة على عدد من الطلاب المسلمين بمعهد ليتيل فلاور والذين يتمتعون بصحة جيدة، وجاءت نتائج تلك الدراسة لتؤكد أن هؤلاء الطلاب يتميزون بالتالي:
وأكدت الدراسة أن معدلات التوتر قلت بصورة ملحوظة في اليوم الرابع عشر من رمضان، بينما تسنت الوظائف المعرفية في اليوم الثامن والعشرين من الشهر المبارك.
الدراسة الثانية:
في عام 2013، تم نشر دراسة كاملة تابعة للمركز الوطني للمعلومات التقنية واليومية والتي كان الهدف منها دراسة تأثير الصيام على الانفعالات العصبية والحالة المزاجية للعديد من الأفراد في أثناء الصيام وبعده.
شملت تلك الدراسة 313 ممرضة وجاءت النتائج لتؤكد انخفاض مستوى التوتر والاكتئاب في خلال الصيام بشكل ملحوظ.
فوائد الصيام على الصحة النفسية بشكل عام
هناك العديد من الفوائد التي تؤكد قدرة الصيام على التأثير الإيجابي على الصحة النفسية للفرد، ومن أهم تلك الفوائد:
1- تعزيز وظائف المخ
بحسب الكثير من الدراسات الحديثة، فإن الصوم يُعزز القدرات العقلية ووظائف الدماغ والمخ، حيث يعمل على زيادة قوة التركيز وتحسين القدرة على الانتباه.
ولعل السبب -كما ذكرت الأبحاث- هو أن الدم لا يندفع إلى الجهاز الهضمي في أثناء الصيام بنفس الكمية التي يحتاجها في أثناء الإفطار، مما يساعد في توصيل الدم إلى المخ بصورة أكبر ومن ثم تعزيز قدراته.
2- تخفيف التوتر
كما ذكرنا، فإن الصيام يقلل من إفراز الغدة الكظرية لهرمون الكورتيزول حيث أن إنتاج كميات كبيرة منه وضخها في الدم يعمل على زيادة التقلبات المزاجية ومن ثم الشعور بالتوتر والخوف والقلق.
كما يساعد الصيام في زيادة تدفق الدم المؤكسد إلى المخ ومن ثم إفراز هرمون الدوبامين المسؤول عن تعزيز الشعور بالاسترخاء وتهدئة الأعصاب.
3- مكافحة الاكتئاب
قامت دراسة حديثة على البحث عن العلاقة بين الصيام ومستوى هرمون الإندروفين في الدم، حيث أكدت النتائج أن الصوم لمدة من 5-15 يوم متواصل تعمل على زيادة إفراز هرمون الإندروفين الذي يساعد بصورة أساسية في علاج الاكتئاب.
وبعد أن عرفنا الكثير من تأثير الصيام على الصحة النفسية، لا يمكننا أن نغفل تأثير الصيام على الصحة الجسدية.
الصوم وتخليص الجسم من السموم وتعزيز صحة الدماغ
بالإضافة إلى كل فوائد الصيام على صحة الإنسان النفسية إلا أننا لا يمكن أن ننكر تأثيره على الصحة الجسدية وتخليص جسم الإنسان من السموم ومن ثم تعزيز صحة الدماغ، فكيف يحدث ذلك؟
في الأحوال العادية، يخلص الجسم الصحيح نفسه مما به من سموم بشكل طبيعي حيث أن أي تراكم لتلك السموم بالجسم تؤثر سلبًا على صحة الإنسان ويمكن أن تؤدي إلى تدهور ملحوظ بالأداء العام لكل أنشطته الحيوية والعقلية والجسدية.
لذا ومع تناول كميات أقل من الطعام فإن الجسم يوفر الطاقة التي يستغلها في هضم الطعام والتخلص من المواد السامة الموجودة به، ويتم استغلال تلك الطاقة بشكل إيجابي ليستخدمها الدماغ مما يُعزز صحة الدماغ بشكل مباشر.
والآن وبعد أن عرضنا بالأدلة العلمية والأبحاث، تأثير الصيام على الحالة المزاجية والجسدية، ما زلت أرى بعض التشكك في داخلك لأنك بالنهاية ترى بنفسك كم المشاكل والانفعالات والتوتر الذي يخيم على كثير من الأماكن ومع أغلب الأشخاص في رمضان، لذا دعني أوضح لك الأمر.
علاقة العصبية والتوتر بالصوم في رمضان
ذكرنا في بداية ذلك المقال أن الصوم بطريقة صحيحة يجعل الإنسان في حالة مزاجية أفضل، لكن ما نراه يثبت أننا لا نصوم بالطريقة الصحيحة ولا نفطر أيضا بالطريقة التي تحافظ على أجسادنا.
فالبعض يتفاخر بأنه لا يتسحر ويعتمد على وجبة الإفطار فقط اعتقادًا منه أن ذلك له بعض الفوائد مثل تنزيل الوزن، وهو أمر خاطىء بالتأكيد ولعلنا إذا امتثلنا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "تسحروا فإن في السحور بركة" لما وقعنا بذلك الفخ اللعين.
والبعض الآخر يتناول كمية كبيرة من النشويات والسكريات فجأة في أثناء الإفطار مما يعرض جسده أيضا لما يشبه الصدمة خاصة إن كان الصوم لمدة طويلة.
لذا فإننا يمكن أن نجمل أسباب العصبية الزائدة في نهار رمضان إلى الأسباب التالية:
- الجفاف: يتعرض الجسم للجفاف في أثناء الصيام وذلك لأن نسبة الماء -الذي تمثل حوالي 70% من جسم الإنسان- تختل خاصة لأولئك الذين لا يتناولون كميات وفيرة من الماء، لذا ينصح الأطباء بشرب السوائل بوفرة في أثناء مدة الإفطار.
- الكافيين: يعاني الأشخاص الذين يعتمدون على الكافيين بصورة أساسية في يومهم -الذين يتناولون الشاي والقهوة بانتظام وبكثرة- من العصبية الزائدة وذلك بسبب افتقاد أجسادهم إلى كمية النيكوتين المعتادين على الحصول عليها.
- النيكوتين: أكثر ما يشتكي منه من يشربون السجائر في نهار رمضان ليس الجوع أو العطش لكن الاحتياج المُلِح إلى شرب السجائر لذا تجدهم أكثر من يصابون بالتوتر والعصبية في نهار رمضان.
- انخفاض مستوى السكر في الدم: الأشخاص الذين يتخذون من رمضان شهرًا لتقليل الوزن ومن ثم لا يتناولون أنواع موزونة من الأطعمة تحتوي على كافة العناصر الغذائية، تجدهم بعض فترة يعانون من انخفاض ملحوظ في مستوى السكر بالدم، مما ينشأ عنه الشعور بالقلق، والعصبية، وزيادة معدل ضربات القلب، والتهيج، والغثيان، وصعوبة التركيز.
خطوات مجربة لتقليل التوتر في رمضان
الآن دعني أعترف لك بسر شخصي، أنا كنت شخص سريع التوتر والعصبية بصفة عامة وفي شهر رمضان بصفة خاصة، لكني الآن وصلت لدرجات أقل من العصبية ولم أعد أعاني من التوتر في رمضان، والآن أقدم لك بعض النصائح -من تجربتي ومن تجارب الآخرين- لعلها تفيدك:
الاستعداد لشهر رمضان
من أهم مميزات رمضان أننا نعلم ترتيبه بين الشهور، فنحن لا نتفاجأ به، لذا يمكننا الاستعداد له من خلال تقليل المؤثرات التي يمكن أن تسبب لنا التوتر في نهاره.
مثلاً إن كنت تحب تناول المشروبات التي تحتوي على كافيين، فابدأ قبلها بشهر بتقليل الكمية، لتصل إلى شهر رمضان وأنت تتناول كمية أقل، ومن الأفضل أن تتناولها في نفس أوقات السحور والإفطار.
وبالطبع الأمر أيضًا يمكن فعله على النيكوتين وإن كان من الأفضل أن تمتنع عنه نهائيًا.
استحضار قيمة الشهر الكريم
دعنا نقول أن الشخص البالغ يجب أن يعرف كيف يتحكم بانفعالاته وسلوكياته، ومما يساعدك على هذا هو استحضار نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن العصبية وأن الرسول كان يتميز بالحلم والهدوء إلا أن تنتهك حرمات الله.
تقضية الوقت فيما يفيد
إن التوتر ينشأ عن التعامل مع الناس والاحتكاك بهم، مما يسبب الكثير من الشد والجذب ومن ثم إمكانية الشعور بالتوتر والعصبية.
لذا من الأنفع لك أن تشغل وقتك بين العبادات والعمل حتى تتخلص من كل ما يثير غضبك ويؤثر على حالتك النفسية.
تذكر ذلك المقال
الآن أصبح بين يديك دليل قوي على أن الصيام لا يسبب التوتر أو القلق بل على العكس فإنه يعمل على تقليل التوتر وتحسين الحالة المزاجية، لذا تذكر دائمًا أن الصوم ليس السبب.
الآن، وقد وصلنا إلى الخاتمة عليك أن تفكر دائمًا بالخروج من الشهر الكريم بأفضل الأحوال سواء على المستوى الجسدي أو النفسي وأن تساعد نفسك لاكتساب الصفات والخصلات الحميدة واجعل منه فرصة حقيقية للابتعاد عن الصفات السيئة.