-

كرم العرب في الإسلام

كرم العرب في الإسلام
(اخر تعديل 2024-09-09 08:09:33 )
بواسطة

الكرم هو الجود والسخاء، وتوصف الأخلاق بالكرم بمعنى النبل وسمو النفس، ويُقال رجل كرم أي كريم، وأرضٌ كرم أي أرضٌ طيبة، ويُقال كرُم السحاب أي جاء بغيث غزير، والكرم كمصطلح يعني العطاء، ولكن ليس أي عطاء؛ بل العطاء بطيب نفس، ويعد الكرم أحد الأخلاق والسجايا الأصيلة عند العرب، والتي عُرِفت في الجاهلية واشتهر بها العرب في كلّ ناحية وقطر، ثمَّ جاء الإسلام فأثبت هذا الخلُق، وحثَّ عليه، ووضع له الضوابط التي تسهّل التخلُّق به وتحويله إلى ممارسة يومية.


قال الرسول عليه الصلاة والسلام: "إنما بُعثتُ لأتمِّم مكارم الأخلاق"، وقد حرِص الإسلام على كلِّ ما فيه منفعة للإنسان، فرغَّب في التحلي بالأخلاق الحميدة، ونفَّر من الأخلاق السيئة، كما حرص على تنمية الروح التعاونية والتشاركية بين المسلمين، ومن هذا الباب شجَّع الإسلام على صفة الكرم التي كانت حاضرة وأصيلة أصلاً في جملة الأخلاق العربية، لكن الإسلام عمل على ضبطها بآدابها وقواعده لجعلها أكثر فاعلية والتزاماً.


حثَّ القرآن الكريم على التحلي بالكرم، ومنه الإنفاق عن طيب خاطر في آياتٍ كثيرة نذكر منها:

  • قال تعالى: "وما تنفقوا من خير يعلمه الله".
  • قال تعالى: "لن تنالوا البرَّ حتى تُنفقوا مما تُحبون، وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم".
  • قال تعالى: "من ذا الذي يقرض الله قرضًا حسنًا فيضاعفه له أضعافًا كثيرة، والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون".


هذب الإسلام من خُلق الكرم ووضع له معاييراً وضوابط بما يضمن خير الإنسان ومحيطه، ومن هذه الضوابط ما يلي:

  • أن الجود ينبغي أن يكون من الطيب، والثمين، والمحبب إلى النفس.
  • أن الكرم في الإسلام ليس مقتصراً على حالة الغنى، والرخاء، واليُسر؛ فهو خلق عام يشمل كل المسلمين كلٌ ضمن حدود قدرته.
  • أن لا يمنَّ المنفق على من ينفق عليهم، وقد شدد القرآن على التحذير من المنّْ واعتباره مبطِلاً للعطاء.
  • أن لا ينتظر الشكر من المعطي، فهو يُعطي ابتغاء رضا الله وأجره، وتزكية لنفسه وماله، لا بغرض تحصيل الشكر من المعطى له.
  • أن لا يُباهي بعطائه ويفاخر فيه، فقد طالب الإسلام المسلمين أن لا تعلم يمينهم بما قدمت شمالهم، ليُبارك لهم في العطاء، ولا يُنتقص من أجورهم شيئاً.


ضرب الرسول عليه الصلاة والسلام أروع الأمثلة في الكرم والعطاء، ليحقق بذلك دوره كمعلّم وقدوة للأمة في سائر شؤون حياتها، ومن هذه الأمثلة ما يأتي:

  • كان الرسول عليه الصلاة والسلام يُعطي ويؤثر في العطاء، حتى يكاد يمر الشهر والشهران ولا يوقد في بيته نار، أي كان يعطي رغم قلة ما يملك ويؤثر في عطائه الآخرين.
  • كان كرم النبي عليه الصلاة والسلام في محله؛ فقد كان صلى الله عليه ينفق لله وبالله، للفقراء والمحتاجين، أو لتأليف القلوب على الإسلام، أو تشريعاً للأمة.
  • ومن قصص الكرم ما ورد في السيرة أنّ امرأة أهدت إلى النَّبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام كساء من صوف، فقالت له: يا رسول الله، أكسوك هذه، فأخذها النَّبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام محتاجًا إليها، فلبسها، فرآها عليه رجل مِن الصَّحابة، فقال: يا رسول الله، ما أحسن هذه! فاكْسُنِيها، فقال: «نعم»، فلمَّا قام النَّبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام لامه أصحابه، فقالوا: ما أحسنت حين رأيت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أخذها محتاجًا إليها، ثمَّ سألته إيَّاها، وقد عرفت أنَّه لا يُسْأَل شيئًا فيمنعه، فقال: رجوت بركتها حين لبسها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لعلِّي أكفَّن فيها.


تحلَّى الصحابة بخلق الكرم بوصفهم عرباً أولاً ومسلمين، ممتثلين لأوامر القرآن الكريم وسنة النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام، ومن نماذج هذا الكرم ما يلي:

  • مرض الصحابي سعد بن عبادة يوماً فاستغرب أن أصحابه لم يزوروه فلما استعلم عن الأمر، قيل له إنهم يستحيون منه لأن له عليهم ديوناً لا يستطيعون الوفاء بها في هذا الوقت فردَّ سعد قائلاً: "أخزى الله مالاً يمنع الإخوان من الزيارة"، ثمَّ أمر منادياً ينادي قائلاً: "من كان عليه لقيس بن سعد حق فهو بريء"، فما كان العشاء إلا وكسرت درجة بيته لكثرة من داسها زائراً وعائداً.