إن نوع العلاقة التي ينشئها الطفل مع والديه خلال سنوات طفولته ينعكس بشكل كبير على علاقاته عندما يصبح بالغًا، وخصوصًا في علاقته الزوجية. هذه الديناميكية تؤثر بشكل عميق على كيفية تفاعله مع شريكه في المستقبل.
لذا، قبل أن تتعهد بالعلاقة مع شريك حياتك، من الضروري أن تلاحظ كيف تتعامل مع من حوله. قد تبدو علاقتكما مختلفة في تلك اللحظة، وقد يحثك ذلك على عدم المقارنة والاحتفاظ بفكرة أنك مميز بالنسبة لشريكك. ومع ذلك، في المستقبل، من المرجح أن ترى أنماط العلاقات التي يمتلكها شريكك مع الآخرين تنعكس في علاقتكما، تمامًا كما ستدرك أنك قد بدأت تتبنى نفس الأنماط من علاقاتك السابقة.
فعل ماضي الحلقة 5
القدرات الشخصية التي تتطور في مرحلة الطفولة
هناك ثلاث قدرات شخصية تتشكل خلال مرحلة الطفولة وتؤثر على نوعية العلاقات التي سيطورها الفرد في مرحلة البلوغ:
الملاحظة العاطفية العميقة (Insight)
تشير إلى قدرة الفرد على فهم مشاعره وأفكاره، وكذلك إدراك مشاعر وأفكار الآخرين. يتعلم الطفل هذه المهارة عندما يتمكن والديه من فهم مشاعره وأفكاره التي تقف وراء سلوكياته، ومشاركته بمشاعرهم وأفكارهم بطريقة تناسب عمره. هذه القدرة على "قراءة الذات والآخر" تعتبر ضرورية في بناء علاقات صحية، وخصوصًا في العلاقات القريبة مثل الزوجية والوالدية.
على سبيل المثال، تحتاج الأم إلى فهم مشاعر ابنها وراء عدم رغبته في أداء واجباته المدرسية. هل يشعر بالتعب، الملل، أو الخوف؟ الأم التي تمتلك هذه القدرة ستسأل طفلها عن مشاعره، مما يعزز التواصل العاطفي بينهما. إذا لم تتوفر هذه الديناميكية، قد يواجه الطفل عند البلوغ صعوبة في فهم مشاعر شريك حياته.
قدرة "الأخذ والعطاء" (Mutuality)
تشير إلى قدرة الشخص على التفكير في احتياجاته واحتياجات الآخرين والحفاظ على توازن بينهما. يبدأ اكتساب هذه القدرة عندما يلبي الوالدان احتياجات طفلهم العاطفية، ويدرك الطفل أن له احتياجات خاصة يجب مراعاتها. يتعلم الطفل في هذه المرحلة أن العلاقة تتطلب توازنًا بين العطاء والأخذ، وأنه يجب عليه التعبير عن احتياجاته بوضوح.
على سبيل المثال، الزوجة التي تتوقع من زوجها أن يخمن احتياجاتها دون أن تطلب منه ذلك قد تجد نفسها في وضع صعب، بينما الزوج الذي لا يدرك حاجات زوجته قد يتجاهلها.
قدرة الضبط والتنظيم العاطفي (Emotional Regulation)
تتعلق هذه القدرة بمدى قدرة الفرد على التعامل مع مشاعره بطريقة مقبولة اجتماعيًا، وتجنب ردود الفعل العفوية. خلال الطفولة، يحتاج الطفل إلى دعم والديه لتنمية هذه القدرة. عندما يبكي الطفل، على الوالدين أن يتعاملوا معه بلطف ويعملوا على فهم مشاعره، مما يساعده على تعلم كيفية ضبط مشاعره في المستقبل.
هذه القدرات الثلاث ضرورية لجميع العلاقات الإنسانية، لكن أهميتها تتضاعف في العلاقات الزوجية والعائلية التي تتميز بالكثافة العاطفية. ورغم التحديات، فإن الأمل دائمًا موجود، حيث تمثل الصراعات فرصًا جديدة للنمو والنضج. وبالتالي، ما قد يفشل في العلاقة الأولية مع الوالدين يمكن أن يتجدد ويُحسن في العلاقات الزوجية وتربية الأبناء.
للحصول على مزيد من الدعم والاستشارات النفسية، يمكنك الاشتراك مع منصة حاكيني، حيث تجد إرشادات من خلال برامج مساعدة ذاتية أو يمكنك التحدث مع أفضل أخصائي العلاج النفسي. للاشتراك، يمكنك زيارة هنا مجانًا.