ابغى افسر حلمي
هناك عدّة أمور وطرق ينبغي توضيحها لمن أراد تعلّم تفسير الرؤى والأحلام، إذ يجب على مَن أراد تفسير الأحلام أن يُقدم على ذلك عن علمٍ وبصيرة، لأنّها أمانة سيُسأل عنها أمام الله -تعالى-، ونذكر أهمّ ما يفيد في تعلّم تأويل وتفسير الأحلام فيما يأتي:
الاستفادة من دلالات القرآن الكريم
إذ وردت بعض الآيات الكريمة حول تأويل الرؤيا؛ كتأويل سيدنا يوسف لرؤيا مَن كان معه بالسّجن، وكتأويله أيضاً لرؤيا عزيز مصر، بالإضافة إلى ذكر تحقق رؤيا النبي -صلى الله عليه وسلم- بدخول مكّة فاتحين، وغيرها من الآيات، بالإضافة إلى أهمية الاستفادة من دلالات ألفاظ القرآن، فالحبْل مثلاً قد يدلّ على العهد، استئناساً بقوله -تعالى-: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَهِ).
فهم السنة وأحاديث الرؤى والأحلام
هناك العديد من الأحاديث النبوية الشريفة التي ذكر فيها النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بعض تأويلات رؤى الصحابة -رضوان الله عليهم-، ففي الحديث عن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- قال: (كانَ النبيُّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ إذَا صَلَّى الصُّبْحَ أَقْبَلَ عليهم بوَجْهِهِ فَقالَ: هلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمُ البَارِحَةَ رُؤْيَا؟).
ومن ذلك أنّه -عليه الصلاة والسلام- أوّل رؤيا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عندما رأى أنّه يجرّ قميصاً بالدِّين، وقد رأى أيضاً أنّ النبيّ يشرب من وعاءٍ فيه لبن ثم يعطيه إياه -أي لعمر-، ففسّره النبي له بالعلم، وفسّر تناول دار عقبة بن رافع -رضي الله عنه- للرّطب بالمكانة في الدنيا والعاقبة في الآخرة.
ورأى عبد الله بن سلام -رضي الله عنه- أنّه يُمسك بالعروة الوثقى، فأوّله النبيّ بموته على دين الإسلام، إلى غير ذلك من الرؤى والأحلام الموجودة في السنة النبوية الشريفة، فحريٌّ بمن أراد تعلّم تفسير الأحلام أن يرجع إلى هذه الأحاديث ويقرأ في شروحها ويتعلّم منها.
الرجوع إلى كتب المختصّين
إنّ الرجوع إلى كتب أهل الرؤى والأحلام الموثوقين يُفيد في تعلّم تفسير الأحلام، وذلك بقراءتها ومحاولة فهم الطريقة التي استنبطوا من خلالها تفسير الرؤى، واتّباع أهمّ النصائح التي يذكرونها في مقدّمات كتبهم، مع الإشارة إلى أنّ تفسير الرؤيا يختلف من شخصٍ إلى آخر، وذلك بحسب حال الرائي وبحسب ما جاء في رؤياه من التفاصيل والأحداث.
ويُنصح من أراد تعلّم تفسير الرؤى بالاطّلاع على الكتب الآتية على سبيل المثال لا الحصر:
- العلماء والمحَدِّثون الذين جعلوا في كتبهم فصولاً حول ذلك
هناك العديد من العلماء والمحدّثين الذين اهتمّوا بهذا العلم في كتبهم، وأفردوا فيها فصولاً وأبواباً عمّا جاء عن النبي وتأويله للرؤى، ومنهم: البخاري ومسلم في الصحيحين، والترمذي، والنسائي، وأبو داود، وابن ماجه، والدارمي في سننهم، ومالك في الموطّأ، والبغوي في شرح السنّة، وحاجي خليفة في "كشف الظنون"، وغيرهم.
- العلماء والمختصّون الذين أفردوا في هذا العلم كتباً مستقلّة: ومن هذه الكتب ما يأتي:
- "الإشارات في علم العبارات" لابن شاهين.
- "تعبير الرؤيا" لإبراهيم بن غنام.
- "تعطير الأنام في تعبير المنام" لعبد الغني النابلسي.
- "منتخب الكلام في تفسير الأحلام" المنسوب لابن سيرين.
ولكن يكون الاعتماد على هذه الكتب والاستفادة منها من خلال معرفة كيفية استنباطهم للدلالات والتفسير، ومعرفة بعض الرموز ودلالاتها الثابتة، ثمّ يفسّر منام الرائي على ضوء وسياق حال الرائي ورؤيته، وذلك لأنّ تفسير الرؤى الموجود في الكتب قد لا ينطبق على الرائي وحالته، يقول الدرديري: "وَالْعِلْمُ بِتَفْسِيرِ الرُّؤْيَا لَيْسَ مِنْ كُتُبٍ،... بَلْ يَكُونُ بِفَهْمِ الْأَحْوَالِ وَالْأَوْقَاتِ وَفِرَاسَةٍ وَعِلْمٍ بِالْمَعَانِي".
قواعد أخرى في تعلّم تفسير الأحلام
على مَن أراد تعلّم تفسير الأحلام الاهتمام أيضاً بالقواعد الآتية:
- توفّر أدوات هذا العلم لدى المتعلّم
أي بالإضافة إلى علمه بالقرآن الكريم والسنة النبوية يجب أن يكون على اطّلاع على اللغة العربية، واشتقاقات الأسماء، ومعاني الألفاظ، والأمثال السائرة بين الناس، وغير ذلك من العلوم المفيدة والمساعدة في هذا المجال.
- التعلّم على يد الموثوقين
يُفضّل كذلك أن يتعلم على يد الموثوقين من أهل العلم والمختصّين في تعبير الرؤى.
- التفريق بين الرؤيا والحلم وحديث النفس
حيث إنّ الرؤى الصادقة يكون لها تأويل معتبر، ولها صفات تميّزها، أما الأحلام فهي من الشيطان بقصد تخويف الرائي، ويُنصح حينها بالاستعاذة منها والمحافظة على أذكاره، أما ما يتعلّق بحديث النفس وما يفكّر به الرائي فهذا لا تأويل له، لأنه جاء من انعكاسات تفكيره الباطن.
- القرب من الله والاتصاف بالصدق
إذ إن تفسير الأحلام لا يؤخذ من أي شخص، بل إنّ صدقه وسلامة صدره وتقواه أمور تُعينه على التعلّم، وتجعل الناس تطمئنّ إليه وتثق به، يقول ابن القيّم: "كُلَّمَا كَانَ الرَّائِي أَصْدَقَ كَانَتْ رُؤْيَاهُ أَصْدَقَ، وَكُلَّمَا كَانَ الْمُعَبِّرُ أَصْدَقَ وَأَبَرَّ وَأَعْلَمَ كَانَ تَعْبِيرُهُ أَصَحَّ".
- أن يذكر للرائي أنّ التأويل والتفسير أمر ظنّي
حيث إن علم تفسير الأحلام ودلالاته من الأمور الاجتهادية التي قد تُصيب وقد تُخطئ، وإن صدقت فلا يعلم بميعاد تحقّقها إلا الله -عز وجل-.