أثر الصيام على الحالة المزاجية والنفسية في رمضان
يتحدث الناس حول قلة صبر الصائمين وسهولة انزلاقهم للغضب بسبب إنهاكهم نتيجة للصيام، بينما يبرر آخرون عصبيتهم وتجازوهم للحدود مع غيرهم بأنهم صائمون. ومع تزايد انتشار اتباع الصيامات المختلفة واللادينية للمساعدة في علاج بعض الحالات الصحية الجسدية، أشار بعض الباحثين إلى أن الصيام قد يساعد في علاج الاكتئاب. فهل ما يتذرع به الصائمون هو حقيقة علمية أم إشاعة لا أساس لها؟
التوت الأسود الحلقة 1
أثر الصيام على الحالة المزاجية
في تحليل كمّي لإحدى عشرة دراسة ضمت 1436 مشاركا، نشر في شهر تشرين الثاني من عام 2021، هدفت إلى تحديد فعالية استخدام الصيام كتدخل لعلاج التوتر والقلق والاكتئاب وما إذا كان مرتبطا بزيادة أو نقصان التعب والطاقة، أظهرت النتائج أن المجموعات التي صامت كان لديها قلق أقل، ومستويات اكتئاب أقل، دون زيادة في التعب والإرهاق. (Berthelot et al., 2021)
دراسات أخرى أظهرت نتائج مختلفة ومتناقضة أحيانا، فقد أفادت بعض الدراسات أن الصيام قصير الأمد يمكن أن يزيد من المشاعر السلبية (الاكتئاب والقلق والغضب والتهيج والإرهاق والتوتر) ويقلل من المشاعر الإيجابية والحيوية. ولكن يعتقد أن آثار الصيام تلك نتجت عن التفكير الاستحواذي بالامتناع وليس عن الجوع الناتج عن الصيام.
- بينما وجدت بعض الدراسات أن الصيام قصير الأمد يمكن أن يؤدي إلى نتائج إيجابية، والذي يظهر من خلال النشاط والحيوية وتحسن المزاج بشكل عام. عند صيام عدد من النساء لمدة 18 ساعة، وجد أن الصيام يمكن أن يؤدي إلى زيادة التجارب العاطفية الإيجابية مثل الشعور بالإنجاز والمكافأة والفخر والسيطرة على الذات. كما أظهرت دراسة أخرى التزم فيها المشاركون بصيام لمدة 16 ساعة أن الصيام قد يعزز السيطرة على مشاعر الخوف والتوتر، وقد يستمر هذا التأثير لمدة 6 أشهر على الأقل.
- و مع ذلك، فقد أظهرت دراسات أخرى أنه لا يوجد فرق كبير في الحالة النفسية للصائمين وغير الصائمين بسبب الصيام.
كيف نفسر النتائج المختلفة لتلك الدراسات؟
كانت الدراسات السابقة لمشاركين بالصيام لأسباب صحية أو بحثية، لكن من المرجح أن تؤدي المعتقدات الدينية إلى آثار إيجابية على الصحة النفسية للإنسان وتساعده على تحمل العبء الجسدي للصوم؛ لذا يمكن أن يكون الصوم تجربة ممتعة ومحتملة. في المقابل، قد يسبب الصوم مشاعر سلبية لمن ليس لديه معتقدات دينية بل يصوم فقط بسبب الضغط الاجتماعي.
يرتبط الصيام ارتباطًا وثيقًا بالتحكم بالنفس. فمن ناحية، إن الصيام هو عملية تتطلب جهدًا نفسيًا كبيرًا، كالتحكم في الرغبات العديدة. ومن ناحية أخرى، قد يؤدي إكمال فترة الصيام بنجاح إلى زيادة الشعور بالكفاءة الذاتية وقوة الإرادة وضبط النفس.
- قد تؤدي أدوات التقييم المستخدمة في الأبحاث المختلفة إلى نتائج متضاربة. على سبيل المثال، في دراسة عن صيام شهر رمضان في ألمانيا، استخدمت مقاييس مختلفة لقياس التعب أثناء الصيام وأظهر أحد المقاييس أن التعب زاد أولاً ثم انخفض، بينما أظهر مقياس آخر أن التعب استمر في الانخفاض خلال صيام رمضان.
- كما أن تجارب الصيام السابقة قد تؤثر على النتائج، حيث أظهرت دراسة أن أولئك الذين ليس لديهم تجربة صيام سابقة عانوا من مزاج سلبي وتوتر أكثر، وحيوية أقل.
- بلا شك فإن الإدمان على بعض المنبهات كالقهوة أو الدخان يصعب المهمة على بعض الصائمين، فالصيام يحرمك من المادة التي اعتاد جسمك عليها وبالتالي يجعل الجسم أكثر تطلبا، وحرمانه من المادة الإدمانية وعدم تلبية رغبته، سيسببان الكثير من الانفعالات النفسية والجسدية السلبية.
- وأخيرا لا ننسى، أن الحالة النفسية الأساسية الأولى (قبل الصيام) مهمة للغاية. وقدر يتعذر على بعض من يعانون من اضطرابات نفسية شديدة الصيام أحيانا لذا لا بد من نقاش الأمر مع الطبيب المعالج لمساعدة الصائم في تذليل العقبات التي قد يواجهها في الصيام أو إعلامه إذا كان لديه عذر طبي يمنع صيامه تماما، فإن الله يحب أن تؤتى رخصه كما تؤتى عزائمه.