أهمية الصحة النفسية: رؤية شاملة
لا تزال العديد من الدول، وخاصة الدول العربية، لا تعتبر الصحة النفسية من أولويات الخدمات الصحية، وهو خطأ متكرر يمكن أن يتسبب في تداعيات اقتصادية وصحية وإنسانية خطيرة. لذا، من الضروري أن نلقي نظرة شاملة على هذا الموضوع من عدة زوايا. في هذا المقال، سنستعرض مفهوم الصحة النفسية والعوامل المؤثرة عليها، بالإضافة إلى كيفية الحفاظ عليها.
ما هو مفهوم الصحة النفسية؟
تعرف منظمة الصحة العالمية الصحة بأنها الرفاه الجسدي، النفسي، والاجتماعي، بالإضافة إلى نوعية الحياة التي يعيشها الفرد، مما يمكّنه من التعامل مع ضغوط الحياة بشكل إيجابي ومنتج. بناءً على هذا التعريف، يمكن القول إن الصحة النفسية تعد ركيزة أساسية للصحة العامة. فمثلاً، ليس هناك جدوى من إجراء عمليات جراحية مثل تغيير الشرايين التاجية إذا كان الشخص يعاني من الاكتئاب ولم يتم معالجته أو تأهيليه اجتماعياً. في حالة عدم معالجة الاكتئاب، يمكن أن تتضاعف معدلات الوفيات بسبب الجلطات القلبية، حيث تشير الدراسات إلى أن العدد يمكن أن يتضاعف ثلاث مرات في الحالات التي تعاني من الاكتئاب. كما أن عدم تأهيل الأشخاص الذين خضعوا لجراحة القلب قد يؤدي بهم إلى العودة للتدخين والسمنة، وهو ما ينطبق أيضاً على مريض الاكتئاب الذي من المحتمل أن يعود إلى حالته النفسية الصعبة إذا لم يتلق الدعم المناسب.
ما هي العوامل المؤثرة في الصحة النفسية؟
- عوامل مجتمعية: تعتقد بعض المجتمعات أن إهمال الصحة النفسية يعني اختفاء الاضطرابات النفسية، لكن الواقع هو أن أي اضطراب نفسي يتم تجاهله سيؤدي حتماً إلى أعراض عضوية. تشير الإحصائيات إلى أن ثلث المراجعين لعيادات الرعاية الصحية الأولية يشكون من اضطرابات نفسية، وقد تصل النسبة في أقسام الأمراض الباطنية إلى ربع الحالات. وهذا يعني أن الإهمال في مجال الصحة النفسية يزيد من الفاتورة الطبية النهائية ويدفع الناس إلى اللجوء إلى المشعوذين والدجالين.
- عوامل اقتصادية: تلعب العوامل الاقتصادية دوراً مهماً في تحديد مكانة الصحة النفسية في كل دولة. ففي الدول ذات الدخل المرتفع، يُنظر إلى خدمات الصحة النفسية على أنها حاجة أساسية، بينما في الدول الفقيرة، تُعتبر خدمات الصحة النفسية نوعاً من الرفاهية، مما يؤثر سلباً على إمكانية الحصول عليها.
- عوامل شخصية: يعيش بعض الأفراد في بيئات تحتوي على علاقات اجتماعية سامة أو في أماكن عمل مرهقة، أو ينشأون في أسر غير آمنة، مما يؤثر سلباً على صحتهم النفسية.
ما هي أهداف الصحة النفسية؟
- تربية أجيال صحية نفسياً: تعتبر الصحة النفسية عاملاً حيوياً في تنشئة أجيال قادرة على النهوض بالمجتمع. فغياب خدمات الصحة النفسية في المدارس يؤثر سلباً على التعليم وقد يؤدي إلى زيادة النفقات.
- تقليل معدل الجريمة: العديد من الجرائم تحدث بسبب عدم تلقي العلاج المناسب للاضطرابات النفسية. لذا، فإن توفير خدمات الصحة النفسية قد يسهم في تقليل الجريمة.
- إدراك الفرد لأهمية الصحة النفسية: يجب أن يدرك الأفراد أن الصحة النفسية ليست أقل أهمية من الصحة الجسدية. العديد من الأمراض النفسية تشمل قائمة الأمراض التي تسبب الإعاقة، مما يبرز أهمية الصحة النفسية في جودة الحياة.
نصائح للحفاظ على الصحة النفسية
- قم ببناء علاقات اجتماعية صحية مع من حولك، وتجنب العزلة.
- لا تتردد في طلب المساعدة عند الحاجة، ولا تحمل كل الأعباء بمفردك.
- كن معطاءً وتطوع، فمساعدة الآخرين تعزز الشعور بالراحة النفسية.
- اعمل على تحقيق توازن بين العمل والحياة، وتجنب الإرهاق النفسي.
- احرص على صحتك البدنية، فهي تؤثر بشكل مباشر على صحتك النفسية، وتجنب الكحوليات والمخدرات، ومارس الرياضة بانتظام.
إذا كانت النظرة إلى الصحة النفسية شاملة وحكيمة، فسيكون من المنطقي أن تكون أولويات الصحة والإنفاق الحكومي والخاص عليها مدروسة. إن زيادة الاهتمام بخدمات الصحة النفسية تعني تقدم المجتمع وزيادة معدلات الأعمار. ومن الضروري أن تشمل هذه الرعاية جميع الفئات، بما في ذلك كبار السن، الذين يتطلبون عناية خاصة لضمان شيخوخة صحية ولائقة، مما يحفظ كرامتهم ويقلل من التكاليف الناجمة عن غياب الرعاية المناسبة.
شراب التوت مدبلج 2 الحلقة 61