-

مكانة الخيل في التراث

مكانة الخيل في التراث
(اخر تعديل 2024-09-09 08:09:33 )
بواسطة

تحمل الخيول العديد من المعاني الأصيلة في نفوس العرب، فقد كانت دلالة على المال والعز والجاه والفخر، يفتخر بها أصحابها ويهنئون بولاداتها ويقيمون الاحتفالات، كما وصفها الشعراءُ في أبياتهم وقصائدهم بأنبل الصفات التي ارتبطت بقوتها وسرعتها وغلبتها.

فقد تغنوا بها وأطلقوا عليها العديد من أسماء الفخر والغزل، وعبروا في أشعارهم عن حبها وعظموها لقوتها، وصوروها بصورٍ فنيةٍ جسدت ملامحها ووصفت أبرز معالم جمالها ومكامن عظمتها، وأدائها في الحرب والمعارك.

وقد جعل العرب في أدبهم وشعرِهم ونثرِهم ألوان الخيل الرئيسية عشرةَ لتصفها، هي: الدُّهمة، والخُضْرَة، والمصدأة، والكُمتة، والوردة، والشَّقرة، والصَّفرة، والصِّنابية، والشَّهبة، والبَلق والعديد من الألوان الفرعية من هذه الألوان التي استُخدمت لوصفها.

إن القيمة التاريخية للخيل ثابتةً في قلوب العرب، رغم التطور الحضاري والتوسع المدني، فالعرب هم أمةُ الخيل والفرس، وقد شكلَ الخيل ذو المكانة الشامخة في قلوب العرب قديمًا أسمى معاني الفخر والتعظيم، فأولوها جل اهتمامهم واهتموا بنسبها واستخدموها في المعارك وشاركوها مأواهم وخيامهم وطعامهم وشرابهم وآثروها على أنفسهم وعلى أولادهم وأهلهم.

فذكر الخيل مرتبط بذكر العرب، وذكر العرب مرتبط بذكر الخيل، وبحسب رأي العرب؛ خًلقتِ الخيول عربية، فهي عربية الأصل والنسب، عربية الموطن، جاه العرب وعزتهم وسلطانهم وفخرهم.

إن العرب شديدين الارتباط بخيولهم، فكانت علاقة أصيلة جذورها متينة شديدة، فكان الخيل كالصديق الذي يتباهى به الإنسان ويفتخر به كصديقٍ حميمٍ وفيٍ قوي، فاستخدموها في الحرب والصيد والأسفار، بل وبلغ من شدة تقديس العرب القديمة لها أن جعلوا تماثيلَ آلهتهم على شكل حصان، كما واستخدموها في العديد من الطقوس، كأن كانوا يعقروها على القبور.

كان العرب لا يتوانون عن خدمة خيولهم ورعايتها أفضل رعايةٍ ممكنة، واهتموا بأنسابها الرفيعة والأصيلة، حيث كانوا يعتبرون أنَّ في ذلك زيادةً في تشريفها وتعزيزًا لقوتها وغلبتها في الحروب والمعارك، فمن المتعارف أن العرب قديمًا كانوا لا يهنئون إلا بغلامٍ ولد أو شاعرٍ نبيغ أو فرسٍ تُنتِج.

كما كانت هناك العديد من المؤلفات الخالدة حتى يومنا هذا والتي كان موضوعها الرئيسي أنساب الخيل، للعديد من الفرسان الشعراء العرب كالأصمعي وابن الكُلبي والغندجاني والنبهاني وغيرهم من الفرسان والشعراء العرب.

بسبب الاهتمام الكبير في نسب الخيول وأصالتها وجذورها؛ أصدر العرب قديمًا شهاداتٍ تثبت أنساب الخيول، وكان هذا نهجًا اتبعته البدو سارَ عليه العرب.

فكان العرب إذا ولدت الخيل يجتمعون ويكتتبون شهادةَ تنسب الخيل لأمها وأبيها ويكتتبون صفاتها المميزة الأصيلة، وكانوا لا يفعلون ذلك إلا عند ولادة الخيل لنسل أصيل من سلالة نقية معروفة لديهم، لتثبت نقاوة سلالتها على مر أجيال منها.

ومن الجدير بالذكر أن هذا النهج في اكتتاب الشهادات في سبيل تأصيل الخيول لا زال متبعًا من قبل المملكة العربية السعودية والعديد من الدول الأخرى، ولا يزال العرب حتى يومنا هذا يهتمون باقتناء السلالات الفريدة والنقية من هذه الخيول لقيمتها العالية.

كرم الله عز وجل الخيل في كتابه الكريم في عدة آيات، كما تسمَّت سورةُ كاملةُ باسمها في القرآن وهي سورة العادِيات والتي أقسم فيها الله عز وجلَّ بالخيل التي تجري في سبيله نحو العدو في معارك المسلمين، ومن مواضع ذكرها الأخرى في سورةِ آل عمران، قولهُ تعالى:

"زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ"

كما ذكرها النبيُّ محمد صلى الله عليه وسلم في عدةِ مواضع من أحاديثه الشريفة يذكر فيها فضلها، حيث روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة).

قال العرب في الخيول أقوالاً مأثورةَ احتلت مكانةً عميقةَ الأثرِ في نفوس العرب، ومن هذه الأقوال ما يأتي:

  • عليكم بإناث الخيل، فإن ظهورها عز وبطونها كنز.
  • ثلاثة من نعم الله: زوجة صالحة وحصان أصيل وسيف بتار.
  • ثلاثة أنواع من الخدمة لا تعيب المرء: خدمته لبيته وخدمته لفرسه وخدمته لضيفه.