فهم التوحّد: رحلة في عالم مختلف
التوحّد هو حالة معقدة من الاضطرابات النمائية العصبية التي تستمر مدى الحياة، وتؤثر في كيفية رؤية المصابين به للعالم، وتفكيرهم، وسلوكهم. يميل الأفراد المصابون بالتوحّد إلى إدراك العالم من حولهم بطريقة مختلفة، مما يؤثر على كيفية تواصلهم وتفاعلهم مع الآخرين. ببساطة، إنهم يشعرون ويختبرون الحياة بطرق لا تتشابه مع تجارب الآخرين.
تشمل الأعراض الشائعة لاضطراب التوحّد صعوبات في التواصل، وسلوكيات متكررة، واهتمامات محددة أو أنشطة معينة. يُشخّص التوحّد عادة في مرحلة الطفولة، لكن يمكن أن يتأخر تشخيص بعض الأفراد حتى سن البلوغ.
على الرغم من عدم وجود علاج نهائي للتوحّد، يمكن أن يساهم التدخل الطبي والعلاج المبكر في تحسين جودة حياة الأفراد المصابين، من خلال مساعدتهم على تطوير مهارات التواصل والاجتماع، وتحسين سلوكهم وأدائهم الأكاديمي، مما يتيح لهم تحقيق مستوى أعلى من الاستقلالية.
ما الفرق بين التوحّد وطيف التوحّد؟
التوحّد وطيف التوحّد يشيران إلى نفس الحالة، حيث يُعتبر اضطراب طيف التوحّد (ASD) التعريف السريري للتوحّد. بينما يفضل بعض الأشخاص الإشارة إلى أنفسهم على أنهم "أشخاص متوحّدون"، يختار آخرون تعريفهم بـ "أشخاص مصابين بطيف التوحّد".
بصفة عامة، يُعتبر التوحّد اضطرابًا عصبيًا يؤثر على التواصل والسلوك، بينما يشير مصطلح "طيف التوحّد" إلى تنوع الأشكال التي يمكن أن يظهر بها التوحّد، مع اختلافات كبيرة في مستوى الخطورة ونوع الأعراض بين الأفراد.
قد يواجه بعض الأفراد المصابين بالتوحّد صعوبات في التواصل الاجتماعي وتكرار السلوكيات، بينما قد لا يواجه البعض الآخر هذه الصعوبات. لذا، يُظهر الأشخاص المصابون بالتوحّد مجموعة متنوعة من الأعراض التي يمكن أن تختلف بشكل كبير من فرد إلى آخر.
بمعنى آخر، يُعتبر "طيف التوحّد" تصنيفًا يشمل أنواعًا مختلفة من الاضطرابات التي تتشارك في بعض الأعراض، مثل صعوبات التواصل والتفاعل الاجتماعي والسلوكيات المتكررة والاهتمامات الضيقة.
فعل ماضي الحلقة 5
نظرًا لتنوع الأعراض والصعوبات، فإن علاج التوحّد يتفاوت من شخص لآخر ويتم تحديده بناءً على نوع وشدة الأعراض التي يعاني منها الفرد.
أنواع التوحّد
كما ذُكر سابقًا، هناك مجموعة من الأنواع المختلفة لاضطراب طيف التوحّد، وقد سعى الخبراء إلى تصنيفها إلى عدة أصناف رئيسية:
متلازمة أسبرجر
رغم أن مصطلح متلازمة أسبرجر كان رائجًا قبل عام 2013، إلا أنه لم يعد يُستخدم بشكل رسمي من قبل المتخصصين. ومنذ ذلك الحين، تم إعادة تصنيف هذه المتلازمة كاضطراب من المستوى الأول في طيف التوحّد ضمن الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية. ومع ذلك، لا يزال يُستخدم مصطلح متلازمة أسبرجر بشكل غير رسمي في المجتمعات المتخصصة.
متلازمة ريت
تُعتبر متلازمة ريت اضطرابًا عصبيًا نادرًا يظهر في مرحلة الطفولة، وعادة ما يؤثر على الفتيات، رغم إمكانية تشخيصه عند الأولاد. تشكل هذه المتلازمة تحديات متعددة تؤثر على جميع جوانب حياة الطفل، ولكن مع الرعاية المناسبة، يمكن للأطفال الاستمتاع بحياتهم اليومية.
متلازمة هيلر
تُعرف متلازمة هيلر أيضًا باسم الاضطراب التفكيكي للطفولة (CDD)، وتظهر مشاكل متأخرة في تطوير اللغة أو المهارات الحركية أو التواصل الاجتماعي. عادةً ما يمر الطفل بنمو طبيعي حتى سن معينة، ثم يبدأ بفقدان المهارات التي تعلمها. لا يزال السبب وراء هذه المتلازمة غير معروف، ولكن الأبحاث تربطها بالتغيرات العصبية في الدماغ.
متلازمة كانر
تم اكتشاف متلازمة كانر من قبل الطبيب النفسي ليو كانر في عام 1943، حيث وصفها بأنها حالة من التوحّد الطفولي. غالبًا ما يظهر الأطفال المصابون بهذه المتلازمة ذكاءً واضحًا، لكنهم يواجهون صعوبات كبيرة في التواصل العاطفي والاجتماعي.
الاضطراب النمائي الشامل - غير محدد (PDD-NOS)
يُعرف هذا الاضطراب بأنه نوع خفيف من التوحّد حيث يظهر المصاب مجموعة من الأعراض. قد يعاني الأطفال من تأخر في تطوير المهارات اللغوية والاجتماعية، ويمكن تحديد هذا النوع من خلال مراقبة سلوك الطفل.
أعراض التوحّد
تتباين أعراض التوحّد عند الأطفال، ومن الممكن أن تشمل:
تدهور مهارات التواصل والتفاعل الاجتماعي
تعتبر مهارات التواصل تحديًا للأطفال المصابين بالتوحّد، وقد تشمل الأمثلة على ذلك:
- تجنب الطفل للنظر المباشر أو عدم القدرة على الحفاظ على التواصل البصري.
- عدم استجابة الطفل عند مناداته باسمه بحلول عمر 9 أشهر.
- عدم ظهور تعابير وجه تدل على المشاعر بحلول عمر 9 أشهر.
- عدم اللعب بألعاب تفاعلية بسيطة بحلول عمر 12 شهرًا.
- استخدام الطفل القليل من الإيماءات أو عدم استخدامها على الإطلاق بحلول عمر 12 شهرًا.
- عدم مشاركة الطفل اهتماماته مع الآخرين بحلول عمر 15 شهرًا.
- عدم ملاحظة الطفل للأذى الذي يتعرض له الآخرون بحلول عمر 24 شهرًا.
- عدم انضمام الطفل للأطفال الآخرين في اللعب بحلول عمر 36 شهرًا.
- عدم التظاهر بأنه شخص آخر أثناء اللعب بحلول عمر 48 شهرًا.
- عدم الغناء أو الرقص أو القيام بالاستعراض بحلول عمر 60 شهرًا.
يمكن أن تظهر لدى الأطفال المصابين بالتوحّد سلوكيات أو اهتمامات غير عادية، مثل:
- ترتيب الألعاب أو الأشياء والغضب عند تغيير هذا الترتيب.
- تكرار كلمات أو عبارات بشكل متكرر.
- اللعب بنفس الطريقة في كل مرة مع تركيز كبير على التفاصيل.
- انزعاج الطفل من أي تغييرات بسيطة.
- وجود اهتمامات هوسية.
ميزات وخصائص أخرى
تشمل الأعراض الأخرى التي قد تظهر عند المصابين باضطراب طيف التوحّد:
- تأخر في المهارات اللغوية.
- تأخر في المهارات الحركية.
- مشاكل في التعلم.
- السلوك المفرط أو الاندفاعي.
أسباب التوحّد
لا تزال الأسباب الدقيقة للتوحّد غير مفهومة تمامًا، ولكن يُعتقد أن هناك مزيجًا من العوامل الجينية والبيئية التي تلعب دورًا في ظهوره. من بين الأسباب المحتملة:
- العوامل الوراثية: تشير الأبحاث إلى أن الجينات قد يكون لها تأثير على تطور التوحّد.
- العوامل البيئية: التعرض للسموم أو الفيروسات أثناء الحمل قد يزيد من خطر الإصابة.
- العوامل العصبية: اختلافات في هيكل ووظيفة الدماغ.
- عوامل ما قبل الولادة: مضاعفات أثناء الحمل أو الولادة قد تزيد من خطر الإصابة.
علاج التوحّد
لا يمكن علاج التوحّد بشكل نهائي، ولكنه يتطلب تدخلاً مبكرًا لتحسين جودة حياة الأفراد. تشمل العلاجات الفعالة:
- تحليل السلوك التطبيقي (ABA): يهدف إلى تعزيز السلوكيات الإيجابية.
- علاج النطق: لتحسين مهارات التواصل.
- العلاج الحركي: لتحسين المهارات الحركية.
- التدريب على المهارات الاجتماعية: لتحسين التفاعل الاجتماعي.
- الأدوية: تُستخدم لتخفيف الأعراض المرتبطة بالتوحّد.
خلاصة الأمر
يُعتبر التوحّد، أو اضطراب طيف التوحّد، اضطرابًا عصبيًا يؤثر على التواصل والتفاعل والسلوك. بينما لا يمكن شفاؤه نهائيًا، إلا أن مجموعة من العلاجات والدعم المناسب يمكن أن تحسن جودة حياة الأفراد. يجب أن نتذكر دائمًا أن الأفراد المصابين بالتوحّد هم بشر قادرون على التفكير والإحساس، لكن بطريقة تختلف قليلاً عن الآخرين.